التصقت صفة الكرم بشهر رمضان لخصوصية الشهر الذى يشهد من بعثة الاسلام حالة من العطاء بوصفه شهر الرحمة والتكافل، للتوازى فيه أعماله مع خصوصيته الايمانية كشهر ورد ذكره في القرآن، وخصه الله سبحانه وتعالى بعبادة عظيمة القدر والأجر، ولأن به ليلة عظيمة نزل فيها أشرف الملائكة على أشرف الخلق بأشرف كتاب وهو القرآن
ولكن وكما تراجعت العبادات فى الشهر الكريم وصار الافطار جهارا نهارا أمرا مألوفا وبعد أن أصبحت الخيام الرمضانية والاعمال الفنية أهم سمات شهر العبادة، تناقصت صفات الرحمة والعطاء فيه على وقع الظروف الاقتصادية ولم يعد القادرون على الخير الا حفنة من القادرين تتناقص أعدادهم عاما بعد عام، ولم يعد بمقدور أصحاب الطبقة المتوسطة التى تآكلت أن تجزل فى الخير والمنح مما رزقها الله، وصارت ضيفا هاما على موائد الرحمن التى يقيمها الاغنياء
وعلى مدار السنوات العشر الماضية - على الأقل - أصبح دخول شهر رمضان واحد من ازمات الأسرة المصرية التى تعانى من ملاحقة ارتفاع الأسعار فى ظل حكومات تعجز عن السيطرة عليها عجز المصاب بشلل رباعي، وفى ظل سيطرة التجار وحدهم وقدرتهم على تحديد ما يأكله الغالبية العظمى من المصريين وقتما أرادوا ووقتما شاءوا، فإن شاءوا أن نأكل الملوخية خفضوا سعرها وإن ارادوا أن نمنع دخول البامية بيوتنا رفعوا سعرها وسعر الطماطم والعكس صحيح
لم يعد أتخن راتب فى عموم مصر - مع مراعاة ان دخل الفرد المصري رسميا لا يتجاوز على أقصى تقدير 7500 جنيه سنويا – أن يواجه تصاعد أسعار الأغذية من خضروات ولحوم وأسماك ودواجن وبيض ولبن وبقوليات ومكرونة .. وبقسماط، حتى تغير تعريف الرجل الفحل فى مصر وصار "هو الرجل القادر على العودة الى بيته وفى يده شنطة فيها كام رغيف فينو وكيلوا لبن ونص كيلوا بقسماط وشوية لانشون" وتزداد الفحولة بقدر تنوع ما يحمله خاصة إن تضمن جبنة رومى أو كوبايتين زبادى
لم يعد أحد يرى فى رمضان مبررا للرحمة، حتى أصحاب العمل باتوا ينتظرون هذا الشهر لتكدير العاملين لديهم، بتغليظ العقوبات، وتخفيض المرتبات، وإطالة أمد ساعات العمل، بينما كانت الحكومة اكثر رحمة بالناس لأول مرة حين قررت أعادة التوقيت الشتوى قبل موعده رحمة بالصائمين
فلننظر حولنا ونضع أيدينا على جيوبنا لنعيد طرح السؤال على أنفسنا .. هل مازال رمضان كريما، ولندعو الله أن يعيد للشهر كرمه وأن "يحنن" قلوب التجار علينا فى الشهر الكريم "على سبيل العادة"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق