• أمام ثورتنا .. أسئلة كبيرة .. لا تقف عند السلفيين وضرباتهم .. ومصير المسلمات الجدد .. وملاعيب الإخوان .. ومناورات الثورة المضادة .. وتوهان القوى السياسية .. ولخبطة أولى الأمر .. وأهم سؤال هو مصير هذا الوطن .. مصير مصر بعد 25 يناير الثورة
  • لست ضد النوايا الطيبة للشيخ حسان وتابعه الشيخ صفوت حجازى وجولاتهما المكوكية فى ربوع مصر لحل ما استعصى على الدولة وما صعب على الحكومة وما فشل فيه أولى الأمر، لكن الدولة دولة قانون
  • أعرف جيدا .. أننى حزين الأن .. لإقتران لقب "أبو العيش" بأمور فساد مالى وإدارى .. بعد أن كانت مثالا للإقتصاد الرحيم .. والتنمية التى لا تنقطع .. ونشر الثقافة .. والتوعية بقضايا البيئة .. والأعمال الخيرية .. وأتمنى من الله .. أن تزول تلك الغمة بظهور الحق وبيان الحقيقة التى لا يحتكرها أحد الان
  • وبين الأب الذى "لم يكن ينتوى" .. والإبن الذى "كان ينوى" .. كانت هناك شهورا قليلة فاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية نفسها .. ولكن أيا منهما لم يكن قد أعلن عن تلك النوايا وكأن مصر ستظل أسيرة نواياهما
  • بينما أولئك المُصنفون "فرز تانى وتالت ورابع" من لصوص ومنافقين.. يحاولون تبديل وجوههم وتغيير مبادئهم وسلخ جلودهم القديمة كالثعابين والأفاعى

الأربعاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٩

التقويم الجزائرى



كانت الأضواء ساطعة .. والألعاب النارية ترسم اسم مصر وتطبع صورة علمها على السماء الداكنة .. فاليوم هو ليلة رأس السنة الثانية عشر ما بعد مباراة الجزائر .. التى تحل فى الأول من شهر "إصرار" من كل عام .. لتؤرخ لذلك اليوم الذى صنع ثورة الكرامة المصرية والتى قادت ثورة تصحيح حقيقية ضد كل مفاهيم الفساد والاهمال التى كانت تقود الأمة فى عصور ما قبل الجزائر.

وكنت أروى لابنتى الشابة اليافعة .. كيف غيرت مباراة كرة قدم من واقع أقدم الأمم فى التاريخ .. وأعادت لها مكانتها الريادية الحقة .. فمنذ انطلاق ثورة "العزة" والمعروفة اعلاميا بـ"ثورة أم درمان" .. حققت مصر قفزات خرافية .. ليولد الحلم من رحم الهزيمة والاذلال .. حينما انتفض المارد المصرى .. ليقرر فى لحظة صدق .. أن الوقت قد حان للنهضة الشاملة.

فما حدث بعد تلك المباراة من اهانات للمصريين خارج وطنهم .. من الشعب الجزائرى الذى كان شقيقا حينها .. وحد الشعب خلف القيادة .. ودفع الناس دفعا لمراجعة أوراقهم وايقاظ ضمائرهم .. وحدة أعادت الرقى والتحضر للناس .. فعادت القاهرة الى رشدها كمدينة نظيفة .. وصار الذهاب منها وأليها نزهة خلابة .. فالناس أدركت ان الزحام المرورى .. كان صنيعة التصرفات اللأخلاقية والانانية .. توقف لصوص الدقيق المدعوم عن السرقة .. وخرجت القوانين التى تكفل العدل والعدالة من مجالسنا التشريعية .. حتى قبل أن يتم العام الأول من التقويم الجديد أيامه .. وكانت ذروة التصحيح اتمام انتخابات تشريعية راقية وشفافة وحرة .. راقبها العالم أجمع .. وضرب فيها المصريون أروع الأمثلة على أنهم هذا الشعب المتحضر الذى لم يكن يدرك قيمته وقيمه .. انتهت بانتخابات رئاسية نموذجية استندت على الدستور المصرى الجديد بالكامل.

فى العام الأول من التقويم الجديد وقف كل الفاسدين أمام القضاء العادل.. خاضعين لقانون الحق والشفافية .. لينالوا جزاؤهم عما فعلوه بهذا الوطن .. وضاعفت الحكومة الجديدة ميزانية التعليم والبحث العلمى عشرات المرات .. وتكافل المجتمع معيدا توزيع ثرواته على الجميع .. لتظهر الحقيقة الكبرى التى كانت مختفية تحت ستار الظلم .. وهى انظلاق المصرى الى المراتب الاولى بين الشعوب الأعلى دخلا فى العالم .. والأكثر سعادة ورفاهية.

لم ينتهى العام الثالث من تقويم ما بعد مباراة الجزائر .. الا وأصبحت مصر فى ريادة دول العالم فى جذب الاستثمارات .. بعد أن طورت الدولة برامج تدريب متخصصة لخريجى الجامعات .. وفتحت أبواب مواردها أمام المشروعات الجديدة التى نبعت من الأفكار البراقة للشباب المصري بغض النظر عن آفات الواسطة والمحسوبية التى كانت سائدة فى سنوات ما قبل الجزائر.

من يصدق أن المواطن المصرى صار من أكثر الشعوب التهاما للكتب .. وأن الكتب المترجمة من والى اللغة العربية تضاعفت عشرات المرات .. وهو ما ظهر جليا فى حالة من التحضر والرقى والثقافة .. دفعت مصر دفعا لاقتناص قمة الدول الأكثر جذبا للسياحة على مستوى العالم بما تملكه من امكانيات فاقت أعرق المقاصد الأوربية .. وفى أول جائزتين لنوبل فى الكيمياء والطب لعلماء من جامعاتنا .. وببحوث واكتشافات خرجت من معاملنا.

لم يقطع الطريق السلس الى استاد القاهرة كلامى مع ابنتى فى طريقنا لحضور المباراة الافتتاحية لكأس العالم 2022 التى تحتضنها مصر .. وان قطعتها ذكريات تلك الأيام الذى كنا نخوض ما يشبه المعارك الحربية لبلوغ تلك البطولة الكبرى .. وتنهيدة لواقع مصر الجديد .. الواقع الحقيقى الذى نفخر به اليوم بمصرنا الحبيبة بين الأمم.

الثلاثاء، ٢٤ نوفمبر ٢٠٠٩

أبعد حدود المسخرة




حتى الأن .. لا أفهم الموقف الرسمي للدولة من الاحداث التى أعقبت المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر فى مدينة ام درمان السودانية.. فما حدث بين الدول الثلاث انطوى بقدر كبير عى اهانة للمصريين ورمزهم الذى هو علم الدولة المصرية .. من ميليشيات منظمة ضمت خليطا من المجرمين والمسجلين خطر وربما مجندين جزائريين، أكد الاعلام الرسمى والخاص فى مصر أنها مدفوعة من جانب الحكومة الجزائرية التى تعمدت نقلهم الى السودان فى طائرات تابعة للقوات الجوية الجزائرية وشهدت تنظيما بدا واضحا وبشدة من التواجد الكثيف للمشجعين الجزائريين فى شوارع أم درمان والخرطوم بغرض الاعتداء على المشجعين المصريين، بخلاف المتواجدين فى المدرجات لتشجيع الفريق وترويع المنافس وجماهيره.
فبداية ظهور الموقف الرسمى الذى تجسدت فى مكالمة علاء مبارك نجل الرئيس للفضائيات المصرية وهجومه على الجزائر .. لم ينتهى بالحملة الاعلامية الهجومية الواسعة للقنوات والصحف المصرية ولا بأمواج المقاطعة التى قادتها نقابات فنية وشركات واتحادات رياضية .. ولكنها استمرت حتى بلغت قمة النظام الرسمى من خلال فقرة فى خطاب الرئيس مبارك فى الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية الأخيرة لمجلسي الشعب والشورى، والتى شددت فى كلمات واضحة على رفض مصر اهانة أولادها فى أى مكان، وان تجاهلت ذكر اسم الجزائر بشكل مباشر.
وما يحيرنى .. أنه اذا كانت الدولة المصرية تهدف من وراء تلك التعبئة الاعلامية والرسمية مجرد "قرصة ودن" للجزائريين تعود بعدها الأمور الى ما كانت عليه قبل 18 نوفمبر .. فإن ما يحدث على الأرض لا يشير الى ذلك .. بل يتعداه بكثير .. فما يدور بين القاهرة والجزائر .. ليس عضا متبادلا على الأصابع .. ولكنه قطعا لها .. لقد وصل الأمر الى أن ترويع المصريين فى الجزائر أصبح ممارسة يومية للمواطنين هناك .. وحتى بلغ الأمر حدا علق فيه أحد المصريين لافتة على باب متجره بضاحية المهندسين تقول "ممنوع دخول الكلاب والخنازير والجزائريين".
وبالتالى فإن زمن اللوم والعتاب قد تم تجاوزه بكثير عبر أفعال متبادلة من الجانبين وتصريحات بلغت المستوى الرئاسي فى البلدين .. وصارت العودة مستحيلة.
أما اذا كانت الدولة المصرية تخطط لقطع العلاقات بشكل كامل مع الجزائر وسحب التمثيل الدبلوماسي وتصفية الاستثمارات واجلاء الرعايا .. فهذا أمرا أخر .. يفترض أن نكون قد درسنا أبعاده بالكامل .. وتدابير مواجهة تداعياته على كافة الأصعدة .. وحددنا سقفا زمنيا لتنفيذه على أن يكون سريعا ودقيقا وبأقل الخسائر الممكنة .. حتى لا يستنزف جهدنا أكثر من ذلك .. ولكى نلتفت الى أمور أخرى هى حياتنا اليومية وقضايا الأكثر أهمية.
ما نراه فى الوقت الحاضر لا يحدد وجهة القرار الفاصل .. ويحير الناس .. ويشحن طاقاتهم .. ويثير غضبهم من الروتين اليومى المتبادل بيننا وبين الجزائريين، الذى يتضمن كل أنواع الاهانة والاذلال الى أبعد حدود المسخرة .. ليبقى السؤال الأبرز عنوانه "الخطوة القادمة" .. وغالبا الأخيرة.
نشرت بجريدة الميدان بتاريخ 25 نوفمبر 2009

الثلاثاء، ١٧ نوفمبر ٢٠٠٩

هبلة ومسكوها طبلة



بغض النظر عن النتيجة المرتقبة لمباراتنا الفاصلة مع المنتخب الجزائرى فى السودان والتى ستحدد من الفريق الذى سيتأهل الى كأس العالم، تركت حالة الاحتقان الشديد فى العلاقات المصرية الجزائرية غصة فى الحلق وحالة من القرف لما تؤول اليه علاقاتنا العربية – العربية، التى يفترض أنها تملك كل مبررات القوة من وحدة الدين والثقافة واللغة والمصالح والأعداء أحيانا.
ما حدث فى الجزائر من اعتداءات على المصالح والشركات وتهديد حياة الجالية المصرية هناك .. كان مخجلا وقاسيا ومؤلما .. ويحمل عنفا غير مبرر .. عنفا صنعته ثورة الميديا والمعلومات فى الأساس .. عندما تبارت الصحف الجزائرية فى اختراع أخبار ليس لها أساس من الصحة .. ونقلتها عنهم الصحف ومواقع الانترنت المصرية فى ذات اللحظة .. لتعيد نشرها وتشعل لهيب الغيرة والفتنة .. قبل أن تتبارى بعض الفضائيات والصحف فى الرد على الصفعة بصفعة .. والركلة بركلة .. والقبضة بالقبضة .. وكأننا فى خضم حرب على تحرير الأرض والعرض.
استغل الشباب المصري والجزائرى كل شئ فى لعبة العض على الاصابع .. جزائرى ينشر لقطات فيديو لحرق العلم المصري .. فيرد عليه مصرى بالمثل .. أحدهم يستخدم لقطات تظهر الزعيم النازى هتلر يتحدث عن المباراة بلسان جزائرى .. فيرد أخر بتحويل لقطات لاقتحام القوات الأمريكية لسواحل قيتنام بلسان مصرى .. فوضى غير محدودة صنعتها ثورة الاتصالات التى اخترعها العالم المتقدم لتكون أداة لحرية التعبير .. فتصبح أداة لحرية التدمير.
لقد تمادى الاعلاميون كل فى طعن الأخر .. حتى تحولت المباراة هنا فى القاهرة الى موقعة حربية .. سبقتها معركة الاوتوبيس الجزائرى والطوبة التى استقبلته والتى حولها الجزائريون الى فيلم هابط بلا أبطال .. ورسم سيناريو أحداث المباراة والهدف المصري فى اللحظة الاخيرة .. مشاهد صاخبة فى عنفها .. فكانت النتيجة أكاذيب يروجها الخاسرون .. وشماتة يظهرها المنتصر .. حتى جاءت الطامة الكبرى بشائعة نشرها شاب جزارى على موقع اليوتيوب حول مقتل 4 مشجعين جزائريين فى القاهرة .. مستشهدا بلقطات مزعومة صورت على كاميرا موبايله ولم يراها أحد .. وانتقل الخبر بضغطة زر للصحف هناك التى لم تتحقق ونشرت الخبر الكاذب .. فإنفجر الغضب الجزائرى فى وجه كل مصرى فى الجزائر وكان المشهد الحزين.
لقد أثبت العرب – كل العرب – أننا نتعامل مع ثورة المعرفة والاتصالات والمعلومات بأسوأ صورها .. وبمنطق المثل المصرى الحكيم "هبلة ومسكوها طبلة" .. فكانت النتيجة ضجيج بلا معنى ولا مبرر ولا يتناغم مع حقيقة أنها مبارة كرة قدم .. فيها ولابد فائز واحد وخاسر واحد .. ولا صلة لها بالسياسة ولا علاقات البشر .. لكن "الهبلة" لم تفهم .. فخرج القطار عن طريقه وانحرف ليجرف كل ما أمامه .. والنتيجة قطيعة مرتقبة .. وعلاقات متوترة مع دولة عربية مسلمة من تلك الدول التى نسميها الشقيقة.
لقد تمادى الجزائريون فوق الحد .. ولم تمنحنا ريادتنا القدرة على السيطرة والهدوء ولم الشمل .. فإنجرفنا الى مستنقع عفن من العلاقات الانسانية .. والخوف كل الخوف من هذا المستنقع الذى قد نواصل الغرق فى وحله بعد مباراة الخرطوم.

الثلاثاء، ١٠ نوفمبر ٢٠٠٩

سبوبة التعليم فى مصر


رسائل صارخة وحقائق صادمة جمّعها الدكتور فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشورى فى جلسة واحدة وألقاها فى وجهنا، خلال ندوة عقدت بصالون احسان عبدالقدوس بنقابة الصحفيين منذ أيام، كشفت كلها عن المبدأ الاساسى الذى يحكم القرارات العليا حول التعليم فى مصر، وهو التخبط والفوضى وغياب التخطيط.

لم يقل الدكتور فاروق ذلك صراحة .. لكنه حين يقول أن مصر افتقدت أى استراتيجية واضحة لتطوير التعليم العالى مع زيادة عدد السكان، منذ اطلاق مجانية التعليم على يد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1958، وأن الجامعات أنشأت بدون مراعاة لعدد الطلاب الذين يدرسون بها، فهذا يشير الى أن التخطيط يعانى الغيبوبة فى مصر منذ أكثر من نصف قرن، وأننا لم ننظر يوما للمستقبل ولم نعمل له حساب.

حين يقول أن التجربة التى يدعو إليها الدكتور هانى هلال وزير التعليم العالى لتقسيم الجامعات الحكومية، إلى تعليم متميز بأموال وتعليم "عادى" مجانى، تصطدم بالدستور اصطداما مباشرا، معناه أن مسئولينا يتصرفون بعيدا عن القوانين والدستور، لكنه حين يعلن أن تلك التجربة ستساهم فى تعليم الطلاب بشكل أفضل – رغم تعارضها مع الدستور – فذلك يعنى، أننا نصيغ دساتير لا تقدم الأفضل للشعب.

عندما يقول أنه لا يجب الانصياع لدعوات إلغاء مكاتب التنسيق بالجامعات، والذى يشبهه بـ "القاضى العادل" لأننا فى بلد تحكمه الواسطة، فهذا معناه أننا وطن بلا معايير.

حين يعلن أنه لا قلق من الجامعة البريطانية تخضع لقانون تنظيم الجامعات، وأن الجامعة الأمريكية "تشبه أرضها أرض السفارة"، ولا تخضع لقانون تنظيم الجامعات، وأنها تجربة لا يجب أن تتكرر على ارض مصر، فهذا معناه أنها أقوى من الدولة ومن الحكومة، وأن ابقائها خارج السياق "يدعو للقلق".

حين يقول أنه لو أصبح وزيرا للتعليم سيعدل قانون المعاهد العليا، وسيغلق 130 معهدا من أصل 135 معهدا خاصا لأنها – حسب قوله - تحتاج إلى أن "تتهد وتتبنى من أول وجديد"، فهذا معناه أن هذا الباب حين فتح على مصراعيه، كان مجرد "لقمة عيش حلوة" ومصالح و"تفتيح مخ" ولا عزاء للتعليم.

وعندما يقول أن سياسة استقلال فروع الجامعات، تمت دون استعداد مسبق وتجهيز لها مما يجعلها متكدسة وغير قادرة على تقديم مستوى علمى متميز، وأن الجامعات الخاصة فى مصر حققت أرباحا كبيرة فى سنوات انشائها الأولى – قبل تطبيق نظام الجودة - رغم أنه فى العالم كله لا يوجد استثمار فى التعليم، وإنما مشاركة مجتمعية، وأن الجامعات الحكومية لا تستطيع أن تتقدم لنظام الجودة بوضعها الحالى لأن كلياتها تحتاج الى هيكلة، .. فهذا معناه "حسبي الله ونعم الوكيل".

الثلاثاء، ٣ نوفمبر ٢٠٠٩

الصقور والحمائم فى مؤتمر الحزب الوطنى



ليس من المنطق أن يهاجم الحزب الذى يملك كل السلطات.. بقايا الاحزاب والجماعات المحظورة الا اذا كان فى الامر إن

لماذا انقسم الحزب الحاكم بين حمائم تتحدث عن أن شرعية الحكم تنبع من وجود المعارضة وصقور تهاجمها بضراوة

تقول المعطيات السياسية لمصر .. أنها وطن لا تعيش فيه السياسة .. ولا تسكنه مبادئ تداول السلطة .. ولا يعرف منذ قيام ثورة يوليو سوى مفهوم القطب الأوحد .. من مجلس قيادة الثورة .. الى الاتحاد الاشتراكى .. الى الحزب الوطنى الديمقراطى .. ورغم أننا بلد يضم 23 حزبا الى جانب الحزب الحاكم .. الا أن ممثلى الأحزاب مجتمعة فى مجلس الشعب لا يتجاوز الـ 10 أعضاء .. من بين 444 عضوا منتخبا .. وهو ما يؤكد أن الاحزاب لا وجود لها بشكل عملى .. وأن المعارضة بلا حول ولا قوة .. اذا ما أخذنا فى الحسبان أن الكتلة المعارضة الاكبر التى هى جماعة الاخوان المسلمين تمثل جماعة يحظرها القانون ويحاربها الأمن .. وتتربص بها "جوقة" من وسائل الاعلام الحكومية المتحدثة بلسان الحزب الوطنى بشكل مباشر وغير مباشر.

لذلك فإن الهجوم الشديد من قيادات الحزب الوطنى فى مؤتمرهم السنوى السادس على المعارضة والاخوان، يبدو فى ظاهره غير مبرر نظريا، فليس من المعتاد أن يهاجم الديناصور مجموعة من كواسر الغابة وقوارضها، كما ليس من المنطق أن يهاجم الحزب الذى يملك كل السلطات ولديه وحده فرصة منح شهادة الحياة والشرعية للأحزاب، ويحتكر كل المناصب، مجموعات من بقايا الاحزاب والجماعات المحظورة الا اذا كان فى الامر إن.

فما هى الحكاية وما هو سر الهجوم العنيف غير المسبوق من قيادات الحزب الوطنى فى مؤتمره السنوى السادس، ولماذا انقسم الحزب الحاكم (فى عملية توزيع أدوار واضحة) الى مجموعة من الحمائم تتحدث عن أن شرعية الحكم تنبع من وجود المعارضة وأن الحياة السياسية فى مصر لا طعم لها بدون وجود الاخر وأن وجود تمثيل قوى لأحزاب المعارضة فى البرلمان القادم يدعم الحياة السياسية والتبشير بأن الانتخابات القادمة ستكون تاريخية فى شفافيتها ونزاهتها .. وبين تيار من الصقور يهاجم المعارضة بضراوة وينذر باكتساح الانتخابات التشريعية القادمة ونهاية زمن الانشقاق بين مرشحى الوطنى وتسلل مرشحى المعارضة أو على الاحرى الاخوان من تلك الشقوق الحزبية، وهو ما لن يقبله الحزب مرة أخرى حسب تصريحات الصقور والحمائم معا .. وبلغة أخرى لماذا حرص الحزب هذه المرة أن يقدم كثيرا من الوعود والوعيد فى نفس الوقت.

الحكاية باختصار ومن خلال اجتهادنا فى رصد الأمور، يمكن تلخيصها فى خمس نقاط :

1. يعتبر المؤتمر السنوى للحزب منذ انطلاقه للمرة الأولى عام 2003 موسما للوعود والشعارات الكرنفالية واستعراض الخطط والعضلات من جانب الحزب الوطنى، ويمثل فى نفس الوقت الموسم المثالى للهجوم على الحزب واستعراض الواقع المرير عادة، وشن الحرب على حكومته ووزرائها واستدعاء كل الاخفاقات التى مرت خلال عام .. بل وخلال 30 عاما من الحكم الحالى فى بعض الاحيان، وعقد مؤتمرات موازية مثل "مؤتمر القلة المندسة .. هنا القاهرة وليس الجابون" الذى ينظمه شباب حركة 6 ابريل، "وهو ما يشوش على "استعراض الحزب" لخططه وانجازاته، ويهدد بانزال الستار على العرض مبكرا، لذلك قررت قيادات الحزب هذا العام منح المعارضة "لعبة" تلهو بها وتتحدث عنها وتنشغل بها وسائل الاعلام لحين انتهاء المؤتمر، بمنطق أن الهجوم خير من الدفاع، وقد تحقق للحزب ما أراد وسيطرت أخبار وتصريحات الهجوم على المعارضة على التقارير الرئيسية فى كافة الصحف الخاصة، وتوارت أخبار المؤتمرات الموازية والمعالجات الصحفية لتقييم أداء الحزب وحكومته.

2. يعلم الحزب الوطنى جيدا أن غالبية أحزاب المعارضة لا وجود لها تقريبا فى الشارع، ولا تعريف لها على خريطته اللهم إلا لاداء دور معين فى الديكور السياسي الديمقراطى، لذلك وسع الهجوم ليطول المعارضين والمشككين، لادراكه أن المعارضين غير المنتمين لأى من الأحزاب منتشرون بشكل أكبر فى وسائل الاعلام المستقلة أو الخاصة "صحف وفضائيات" والتى أصبحت أكثر تأثيرا على النخب المثقفة فى مصر، بل ويسيطرون عليها، وأن الاعلام الحكومى رغم ضخامة مؤسساته وتعدد اصداراته وقنواته يفقد ميزة الحياد والاستقلالية لدى الناس، لذلك فضل الحزب استخدام اللغة "الحارة" فى خطابه، وهى اللغة التى تقبل عليها الصحف الخاصة ويضمن بها الحزب تصدر الصفحات الأولى، بدلا من أن يتصدرها المعارضون المتناثرون هنا وهناك،كما ألقت قيادات الحزب الكرة فى ملعب الفضائيات بالحديث عن أن ما يدور فى المؤتمر لن يراه الناس، لأن الفضائيات تركز على السلبيات وتتجاهل الايجابيات، فى اعتراف ضمنى بقوة الاعلام المستقل، وبالتالى مطالبة الفضائيات برد هذا الهجوم من خلال "نظرة الى الايجابيات" تثبت بها استقلاليتها وحيادها.

3. يستعد الحزب الوطنى للانتخابات التشريعية القادمة "انتخابات مجلس الشورى فى شهر ابريل القادم وانتخابات مجلس الشعب فى شهر اكتوبر" وكحزب سياسي يخوض انتخابات فى مناخ يفترض فيه المنافسة، فإن أدبيات المعارك الانتخابية تقتضى استدعاء بعض الهجوم وإظهار العين الحمراء، واستعداء بعض القوى، والتأكيد على أن الحزب قوي ومتمكن وقادر على الهجوم من المنابر السياسية، وليس عبر الاليات الأمنية فقط، لمنح مرشحيه القوة المطلوبة لخوض المعركة القادمة ومنحهم المفردات اللازمة للخطاب المطلوب لحشد الأصوات ومواجهة الخصوم "معارضة ومستقلين" ورسم خريطة طريق لشكل المنافسة القادمة .. خاصة أن الحزب ركز فى مؤتمره السادس على "الكتلة التصويتية الأكبر" وهى الفئات الفقيرة والمتوسطة، ففتح أماها "أبواب النعيم" بتصريحات لو تم تنفيذها لانتقلت مصر من الدول التى تقهر مواطنيها الى مصاف الدول العادلة، وروج بشكل جيد لشعاره العام "من أجلك أنت" الذى يخاطب المواطن الخائف على قوت يومه، والمرعوب من المستقبل، لأن الحزب يدرك جيدا أهمية الحصول على الاغلبية اللازمة لتمرير أى تعديلات تشريعية أو دستورية قادمة، وإعاقة وجود مرشحين معارضين أمام المرشح القادم للرئاسة وفقا للمادة 76 من الدستور التى تستلزم الحصول على موافقة حوالى 250 عضوا من أعضاء المجالس التشريعية والمحلية والشعبية على ترشيح أى شخص للرئاسة، وبالتالى فإن سيطرة الحزب على كافة المجالس النيابية سيعيق بشكل مباشر وجود مرشحين على المنصب الكبير.

4. لدى الحزب معركة أكبر بكثير من الانتخابات التشريعية وهى الانتخابات الرئاسية عام 2011، بينما فضل الحزب حجب اسم مرشحه للرئاسة تاركا التكهنات "تأكل بعضها البعض" بين ترشيح الرئيس لفترة سادسة أو ترشيح نجله جمال أمين السياسات الامين العام المساعد، او أى شخصية أخرى من قيادات الحزب، الى جانب التعديلات الدستورية المطلوبة وعلى رأسها المادة 77 التى تحدد مدة ولاية الرئيس والتى تعانى من "عوار دستورى"، وحيث أن الحزب ليس لديه أى نوايا لتعديل تلك المادة الملقبة بـ"المادة الحرام"، كان يجب أن يقترن الرفض بلغة حادة وقاطعة وفى سياق هجومى، وعلى لسان أى شخص غير الرئيس، فجاءت على لسان أمين السياسات، كقياس لموقف الرأى العام داخليا وضغوط الخارج من رفض التعديل الدستورى المطلوب، بحيث يتدخل الرئيس اذا ما أقتضى الامر مطالبا مجلس الشعب بتعديل "المادة الحرام" سواء فى دورته البرلمانية الأخيرة، أو حتى فى أولى الدورات البرلمانية للمجلس الجديد.

5. حضر جلسات المؤتمر السنوى السادس للحزب الوطنى عدد كبير من الضيوف يمثلون 19 دولة أجنبية تتصدرهم مارجريت سكوبى سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة، وإيوانس كاسوليدس مسئول المجموعة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، وكان من الطبيعى أن تستعرض قيادات الحزب قوتها أمام ممثلى دول العالم من خلال طرح أفكارهم وبرامجهم، ومن خلال الابهار فى التنظيم، وتغيير الاخراج على المسرح ليسمح بمزيد من الحركة على الطريقة الغربية، ومهاجمة المعارضة "وهو أسلوب مباح فى الأدبيات السياسية الديمقراطية فى الدول المتقدمة"، والاشارة الى قوة الحزب وسيطرته على الأمور ومواجهة المعارضة صاحبة الصوت العالى فى الخارج، وللتأكيد على أن الحكم فى مصر يستند إلى كيان حزبى قوى ومتجذر، قادر على المبادرة بالهجوم وقادر على الحفاظ على استقرار الحكم متى تطلب الامر ذلك.

وبغض النظر عن اللهجة الهجومية العنيفة للحزب فى مواجهة المعارضة "الاحزاب والاخوان وقوى التغيير المستقلة"، قدم الحزب الوطنى وعودا تكفى لصياغة برامج المرشحين، وبقى التنفيذ .. وهى الخطوة التى تتربص لها المعارضة لرد الهجوم فى حينه .. ليس مؤتمرات .. ولكن عبر وقائع تحدث يوميا تحمل فى طياتها كل موبقات الحكم .. فهل استعد الحزب الوطنى من الآن لمواجهة رد فعل تلك القوى فى معركة تشبه أقلام "عنتر ولبلب" السبعة فى الكوميديا الشهيرة .. هذا ما ستظهره الايام القادمة فى عامى الحشد السياسي وتبادل الطعنات عامى 2010 و2011.

لماذا لا يصبح حمدى الطحان وزيرا للنقل



من بين كافة أعضاء مجلس الشعب المصرى من المنتمين للحزب الوطنى الديمقراطي .. لم يكن هناك نائبا مزعجا للحكومة ورجالها، بقدر حمدى الطحان رئيس لجنة النقل بمجلس الشعب، فالنائب الذى ينتقل أحيانا الى مقاعد المعارضة اذا ما ازدادت وتيرة التصفيق والتهليل من زملائه، كان دائما الرجل الأمين الذى تلجا اليه وسائل الاعلام لاحاطتها بالحقيقة فى أى أمر يتعلق بالنقل وهمومه فى مصر وما أكثرها.

وفى أعقاب الاستقالة التى تقدم بها محمد منصور وزير النقل على خلفية حادث العياط الذى راح ضحيته عشرات القتلى والمصابين، وتكليف الرئيس مبارك للدكتور حسن يونس وزير الكهرباء بادراة ملف النقل لحين اختيار الوزير الجديد، فإننا نطرح اسم حمدى الطحان للمنصب الوزارى الشائك ولو فى تلك المرحلة الانتقالية الخطرة التى قد تمتد لأكثر من عامين .. ونتسائل عما اذا كانت هناك موانع لهذا الاختيار أم لا.

حيثيات ترشيحنا للطحان تستند على أكثر من مبرر، أولها أن الرجل على دراية كاملة بملف النقل بحكم منصبه البرلمانى كرئيس للجنة النقل والمواصلات على مدار أكثر من عشر سنوات عاصر خلالها كل أزمات ملف النقل فى مصر، وكان فى أعقاب كل أزمة، واحد من قلائل يضعون روشتة للاصلاح، وهو صاحب تعبير "السكة الحديد .. لا يديرها سوى رجال من حديد" .. وكان دائما مغروسا فى الوساطة لحل الازمات والاضرابات التى قام بها عمال السكك الحديدية، على مدار السنوات الخمس الماضية.

يملك الطحان ثقة المعارضة واحترامهم، لأنه النائب الذى أعلن صراحة عدم اكتراثه بالالتزام الحزبي وعدم احراج حزبه تحت قبة البرلمان، اذا ما تعارضت مواقفه مع مصلحة الوطن، رافعا شعار "إذا وضعت الحقيقة ومصلحة الوطن فى كفة، والالتزام الحزبى فى كفة، سأختار مصلحة الوطن والحقيقة، ومؤكدا أن هيبة الدولة تتراجع بسبب عدم حفاظها على مرافقها وتطبيق القانون.

تعرض الطحان للنبذ كثيرا داخل حزبه، وتحمل فى سبيل مواقفه الابتعاد عن بعض الاجتماعات الحزبية شديدة السرية، لأنه كان يرفع دائما صوته بما تيسر له من الحق، لا يتورع عن القول بأن البلد فى انهيار وأن الحكومة أصبحت لديها القدرة على مواجهة الناس وهى مخطئة.

أليس الطحان هو الرجل المناسب فى تلك المرحلة التى تتطلب رجلا سياسيا عالما بمواطن الأزمات داخل قطاع النقل، ويركز على تحقيق أمال الناس واحتياجاتهم لايمانه أن "الشعب فوق الجميع".. بدلا من البحث عن رجل أعمال مثل محمد منصور رجل الأعمال ووكيل السيارات المعروف الذى تعامل مع الوزارة كمؤسسة تحاول تقليل خسائرها وتجاهد لبلوغ نقطة الربح، ناسييا متناسيا الطبيعة الخدمية الخاصة للوزارة، وأن مواجهة مشكلات العمال أهم من تحديث القاطرات، أو التنقيب عن رجل أكاديمي لم يفارق مكتبه منذ سنوات ليغوص فى وحل الوزارة.

تحتاج المنصب لرجل لا يخشى فى الحق لومة لائم .. رجل يخشاه من فى الوزارة .. رجل حين كلف باعداد تقرير لجنة تقصي الحقائق عن العبارة السلام 98 التي راح ضحية غرقها 1033 مواطنا، لم يخاف من المناخ العام ولم تردد من الاشارة الى الفساد .. فماذا يحتاج المنصب أكثر من ذلك.

مصطفى محمود



كم كنت منبهرا فى طفولتى ومراهقتى بهذا الرجل، فبرنامجه "العلم والايمان" كان نافذتى المرئية الوحيدة للموضوعات العلمية، والاطلاع على العالم الخارجى واهتماماته وأبحاثه وثقافاته وعلومه، وكان الرجل نفسه محط إعجاب أكبر حين اشتد العود وتجرأت على قراءة بعض كتبه ورواياته فزاد انبهارى به مرة أخرى، وحين وطأت قدمى منطقة المهندسين لأول مرة ورأيت الجمعية والمسجد المسمى بإسمه، أدركت أنه ليس كغيره من المساجد التى أعرفها، فقد أعاد الرجل تعريف المسجد، ليصبح مكانا للعبادة وخدمة المجتمع.

كان الدكتور مصطفى محمود بالنسبة لى سند حقيقى لرحلة الايمان، فهو الرجل الذى انتقل فى تلك الرحلة من اتجاه الى اخر، وفى كل مرة كان لديه من الجرأة ما يكفى لأن يعلن قناعاته، حول الالحاد والأيمان، وكان حتى سنواته الأخيرة رجلا مسلما وفقا لتعريفه هو، فهو مسلما مسلحا بالايمان، وليس مستترا بالاستسلام، لذلك كان حضوره على صفحات جريدة الأهرام كاتبا ومفكرا وفيلسوفا، نوعا من التغذية الفكرية والروحية، وكانت كتاباته حتى تلك التى لم أقرؤها "تهمس فى عقلى" أن الدنيا بخير.

كانت طلة صورته دائما لها تأثير ايجابى على روحى المعنوية، وكم هم قليلون من لهم هذا التأثير على بذاك القدر، لذلك حين عملت بالصحافة وحدث الاستعداء والهجوم العشوائي عليه من كل حدب وصوب لانكاره شفاعة الرسول الكريم يوم القيامة، حاربت كثيرا حتى لا يجرفنى تيار المراهقة المهنية فى سنوات اثبات الصحافة لفحولتها، واكتفيت بأن انكفئ على الفكرة، حتى أصابنى منها بعض الايمان، وراودنى قليل من الشك، فارتضيت وأنا المسلم المستسلم أن أبقى على قناعاتى بداخلى، وإن أدركت أن أن العمل الصالح الذى أوصانا به الاسلام هو خير من سيشفع لنا يوم الحساب.

أحب الزعيم الراحل أنور السادات، وزاد حبى له عندما عرفت أنه كان معجبا مثلى بمصطفى محمود وانه أعاد طبع كتبه التى منعتها الثورة، وأنه من شجع اطلاق برنامجه العلم والايمان، وأنه كان يرفع الشعار نفسه لدولته "مصر دولة العلم والايمان".. وأصابنى فى الوقت نفسه نفس الحزن المتبادل لاغتيال السادات، حتى كان سؤال الدكتور مصطفى محمود حول تلك الجريمة هو نفس السؤال الذى كان يلح على منذ الطفولة، "كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلا رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر".

فرحمة الله على هذا الرجل الذى فارقنا هذا الاسبوع، وهنيئا له بحب الناس ورضاهم .. عسى أن يدخله الله جناته وينال بعمله وعلمه وأخلاقه ومبادراته شفاعة مع شفاعة رسولنا الكريم .. وألهمنى وأسرته الصبر على القضاء ومفارقة الأحباب.

 
خد عندك © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates