• أمام ثورتنا .. أسئلة كبيرة .. لا تقف عند السلفيين وضرباتهم .. ومصير المسلمات الجدد .. وملاعيب الإخوان .. ومناورات الثورة المضادة .. وتوهان القوى السياسية .. ولخبطة أولى الأمر .. وأهم سؤال هو مصير هذا الوطن .. مصير مصر بعد 25 يناير الثورة
  • لست ضد النوايا الطيبة للشيخ حسان وتابعه الشيخ صفوت حجازى وجولاتهما المكوكية فى ربوع مصر لحل ما استعصى على الدولة وما صعب على الحكومة وما فشل فيه أولى الأمر، لكن الدولة دولة قانون
  • أعرف جيدا .. أننى حزين الأن .. لإقتران لقب "أبو العيش" بأمور فساد مالى وإدارى .. بعد أن كانت مثالا للإقتصاد الرحيم .. والتنمية التى لا تنقطع .. ونشر الثقافة .. والتوعية بقضايا البيئة .. والأعمال الخيرية .. وأتمنى من الله .. أن تزول تلك الغمة بظهور الحق وبيان الحقيقة التى لا يحتكرها أحد الان
  • وبين الأب الذى "لم يكن ينتوى" .. والإبن الذى "كان ينوى" .. كانت هناك شهورا قليلة فاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية نفسها .. ولكن أيا منهما لم يكن قد أعلن عن تلك النوايا وكأن مصر ستظل أسيرة نواياهما
  • بينما أولئك المُصنفون "فرز تانى وتالت ورابع" من لصوص ومنافقين.. يحاولون تبديل وجوههم وتغيير مبادئهم وسلخ جلودهم القديمة كالثعابين والأفاعى

الاثنين، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٩

زمن شركات الأدوية


نحن فى عصر الامراض والاوبئة والفيروسات .. زمن سيطرة شركات الدواء العالمية الديناصورية على الارواح .. وما أرخصها فى مصر .. أبرز مثال على ذلك هو القضية التى كشف عنها المركز المصرى لحماية ودعم صناعة الدواء فى تقريره السنوى الصادر منذ أيام، والتى تؤكد استمرار جريمة تجارب الأدوية على المواطنين فى المستشفيات العامة والحكومية والمعاهد التعليمية، بعيدا عن الأعراف والأصول والقواعد القانونية والعلمية المعروفة، ووجود حالة من الفوضى الشاملة والمتعمدة، التى تستهدف سوق الدواء المصرية.

المركز دق ناقوس الخطر محذرا من إهدار وضياع مبدأ إتاحة الحق فى الدواء الآمن والجيد بالسعر المناسب للمواطنين، وأشار الى أن الدوريات العلمية الدولية المتخصصة فى صناعة الدواء حذرت من وجود حالات انتهاك لصحة المصريين وتزوير النشرات الطبية، نتيجة عدم خضوع صناعة الدواء فى مصر للرقابة.

لكن صرخة المركز لم يسمعها أحد ولم تقم الدنيا ولا تقعد كما يجب أن يحدث، رغم أن المركز نفسه رفع درجة الصراخ فى وجه المجتمع حين كشف عن تجارب تمت على أطفال أحد المستشفيات الجامعية وأثبت بالوثائق أنه من بين 734 طفلاً تمت متابعتهم بسبب أمراض "الركود المرارى" تلقى 401 طفل عقار لعلاج الهرش، فتم شفاء 9.35% فقط، بينما أصيب 86.54% ممن تلقوا هذا الدواء بتدهور وفشل كبدى واستسقاء بالبطن والتهاب رئوى قاتل والتهاب بالأذن الوسطى، وارتفاع نسبة الوفيات.

حالات أخرى رصدها المركز لعقاقير غير فعالة، وحالات تزوير فى النشرات الطبية لعقاقير تستخدم فى عدد من المستشفيات، وأمثلة لعقاقير خطرة، بعضها يستخدم لعلاج مرضى السكر ولها علاقة مثل "لانتوس جلارجين طويل المفعول"، و "أفنديا" و"لاكتوس" والتى تتسبب بنسب تتراوح بين 30% : 40% فى الاصابة بأمراض السرطان وجلطات القلب وأمراض الكبد، والعهدة على تقرير المركز.

وذكر التقرير أن هيئة الدواء والأغذية الأمريكية أكدت أن الشركات المنتجة عليها مسؤولية أخلاقية تجاه صحة المواطنين، خصوصا فى الدول النامية فطالبت السلطات الصحية للبلدان بالتنبيه على الشركات بمزيد من الأمانة، لافتا إلى أن بعض الشركات العاملة فى مصر لا تذكر الآثار الجانبية فى النشرات الطبية، رغم أنها لا تقوم بهذا العمل – الحقير - فى دول أخرى بها أجهزة رقابية على صناعة الدواء.

ما صرخ به المركز واجهته وزارة الصحة ببلاغ للنائب العام، لأن تقرير المركز كشف أن السياسات التى تنتهجها وزارة الصحة منذ سنوات، تركت مصير هذه الصناعة الاستراتجية لأصحاب النفوذ، دون وجود خطط استراتيجية طويلة الأمد تحمى الصناعة، أو أجهزة رقابية تعمل وتنظم هذا العمل الحيوى الذى يمثل الضلع الأهم فى منظومة الرعاية الصحية الشاملة المستهدفة لأى تنمية حقيقية والتى أقرها الدستور وجميع القوانين والعهود والمواثيق الدولية، وأن الشركات العالمية تستغل غياب أى رقابة على صناعة الدواء فى مصر وعدم وجود جهة فنية مختصة لتفعل ما تريد، مطالبا بضرورة حماية الصحة العامة للمصريين من ممارسات الشركات، بتأسيس هيئة للدواء على غرار هيئة الغذاء والدواء فى الدول المختلفة بحيث تكون هيئة مستقلة ولها شخصيتها الاعتبارية وميزانيتها المستقلة ويصدر بتشكيلها قرار من رئيس الوزراء.

فمن لهذه القضية من نواب الشعب حتى تعالج بحجمها الطبيعى ونقف كمجتمع فى وجه مافيا شركات الدواء؟

الثلاثاء، ٢٢ ديسمبر ٢٠٠٩

الشعب اللذيذ


جميل هذا الشعب المصرى .. قالوا له أنه سيدفع ضريبة جديدة اسمها الضريبة العقارية وأضافوا مع الخبر كرباج اسمه المهلة والغرامة .. قالوا له ما لم تدفع الضريبة فستسدد الغرامة وستعد من الخائبين المتمردين .. ففكر الشعب كله بطريقة عادل إمام أو "سرحان عبد البصير" فى مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" عندما طالبته هيئة التليفونات بسداد فاتورة التليفون، والا سيتم رفع العدة .. فقام "سرحان" وبادر .. واهتم .. وتحمل الصعاب والطوابير .. وغتاتة الموظفين وفساد القائمين عليهم .. لسداد الفاتورة رغم انه "ما عندوش تليفون".

هكذا تصرف المصريون فى كوميديا الواقع و"أخر نسخ المساخر" التى تحيط بحياتنا مع تلك الحكومة والحكومات السابقة والتالية والتى ستليها .. كوميديا سوداء اسمها الضريبة العقارية يتم تطبيقها واعلام الناس بها والزامهم بسدادها بسرعة البرق .. ضريبة لعن الناس من فرضها، ورفعوا أيديهم بـ"حسبنا ونعم الوكيل" على من صاغها .. وكرهوا من مررها .. لكنهم قرروا فى تحرك جماعى، أن يتزاحموا فى طاعة الحكومة وكتابة اقرارات الثروة العقارية لدرجة أنهم حينما لم يجدوا الاقرارات موجودة فى مكاتب الضرائب العقارية، اشتروها من السوق السوداء التى وصل سعر الإقرار "المجانى" فيها الى 20 جنيها .. ولم يلتفت أحد الى الضريبة وقانونها ومدى دستوريتها ولا شرعيتها ولا كيف هبطت على رؤوس الناس.

وحقيقة لن يجد ولاة أمورنا شعبا بهذا اللطف واللذاذة على سطح البسيطة .. شعب تعود على الطاعة العمياء .. شعب يقدس حاكمه وحكومته .. ويحترم التزاماته ولا يتهرب منها خوفا من الغرامة أو أو تجنبا لعقوبة أو هروبا من البطش وعصا الأمن المركزى.

انه الشعب الذى أحب وزير المالية يوسف بطرس غالى وهو نفسه الوزير الذى يفرض الضريبة على الناس، لمجرد أنه منحهم مهلة لكتابة الاقرارات الضريبية مدتها 3 شهور، ليس شفقة على الشعب أو تراجعا عن مص دمائه وخنقه بمزيد من الضرائب وشفط موارده الضعيفة، ولكن لأن الحكومة اكتشفت أن العقل والمنطق يقولان أنه من الصعب استيفاء كل الاقرارات من كل الشعب خلال 30 يوما فقط فى ظل ثقافة الزحام، وسيادة مبدأ الطابور، وما أدراك ما هو الطابور وما هى جرائم الطابور وموبقات الطابور.

إنه الشعب الذى باع الاقرارات فى السوق السوداء وحوّل الضريبة الى سبوبة كغيرها من السبابيب الطازجة التى نخلقها من كل أزمة .. وهو الشعب نفسه الذى كانت عيناه تدمع مع كل أغنية وطنية أذاعتها الفضائيات مع أزمة الجزائر فى أكبر "اشتغالة" تعرضت لها الأمة فى الألفية الثالثة، والتى انتهت الى أكبر "لا شئ" فى التاريخ الحديث، ولم يستفد منها سوى شركات الدعاية والاعلانات وباعة الاعلام، وبالطبع "الأسطى" سمير زاهر والمعلم" حسن شحاتة اللذان دفنا "خيبة المنتخب" فى أحداث أم درمان.

هذا هو الشعب الذى وصفته المطربة الكبيرة ياسمين الخيام بأنه "الكنز الكنز الكنز .. اللى اسمه المصريين" .. لكننى ومنذ اليوم الأول الذى سمعت فيه هذه الاغنية كنت مقتنعا بأن كاتب هذه الاغنية يدرك قيمة هذا الكنز .. وإنه إما رئيس جمهورية سابق .. أو وزير على المعاش.

الاثنين، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٩

على طريقة الحزب الوطنى


"كنا شباب بنواجه دولة .. يكفينا شرف المحاولة" .. شعار واقعى رفعه عدد من المتحمسين لتأييد ضياء رشوان مرشح تيار التغيير داخل الانتخابات لمنصب النقيب، فى المعركة الانتخابية الأخيرة التى وضعت أوزارها بفوز الكاتب الصحفى العتيق "مكرم محمد أحمد" صاحب الخبرة النقابية التى تمتد لأكثر من ربع قرن بالمنصب المرموق لدورة قادمة تمتد لعامين.

لكن لماذا تدخلت الدولة بشكل غير مباشر فى سير الانتخابات النقابية، ودعمت المرشح الأكثر قربا منها بكل ما أوتيت من قوة، وأشعر مؤيدى رشوان بأنهم يواجهونها؟

الاجابة تكمن فى 500 متر تقريبا من شارع عبد الخالق ثروت والتى تضم نقابات المحامين والصحفيين ونادى القضاة.

هل تذكرون الحراك السياسى المحدود الذي جرى فى مصر خلال عامي 2004 – 2005 .. واللذان شهدا اجراء الانتخابات البرلمانية (شعب وشورى) وأول انتخابات رئاسية فى تاريخ مصر .. ودور هذا الثالوث (الصحفيين – المحامين – القضاة) فى حشد جهود الاصلاح وقيادة المظاهرات ووركوب المشهد الاعلامى داخليا وخارجيا فى سنوات الضغط الامريكى والاوربى على مصر لاطلاق موجة من الاصلاح السياسي.

ان تذكرتم فدعونى أضيف فقط تفصيلة تتعلق بالجهات الثلاث عندما كان نقيب الصحفيين "جلال عارف" من المحسوبين على التيار القومى الناصرى، ونقابة المحامين على رأسها "سامح عاشور" الناصري القومى .. ونادى القضاة يسيطر عليه تيار الاصلاح بقيادة المستشار زكريا عبد العزيز.

الأن وقد مر على تلك الفترة 6 سنوات، فإن السيناريو يتكرر ولكن بأبطال أخرون .. فمصر المقبلة على انتخابات برلمانية (شعب وشورى) العام القادم 2010، والانتخابات الرئاسية فى العام الذى يليه 2011 استوعبت أجهزتها الدرس جيدا .. وكان عليها العمل على تغيير نتائج المعادلة السياسية، من خلال تغيير معطياتها وليس تغيير نتائجها .. إنه التغيير من المنبع وعلاج المشكلة من جذورها على طريقة الحزب الوطنى.

الأن لنتأمل الصورة فى إطارها الواسع .. مصر مقبلة على انتخابات برلمانية فى ظل رقابة قضائية منقوصة بعد تعديل الدستور وفى مناخ يضيق على جماعة الاخوان المسلمين المنافس الأكبر للحزب الوطنى عبر التضييق على ممارسة السياسة بخلفيات دينية بنص دستورى أيضا، وفى ظل انهيار وضعف كبير لكل الاحزاب والتى لم يكن لها حضورا مؤثرا وملموسا فى أخر انتخابات أجريت فى مصر وهى المحليات والتى تم استبعاد كل مرشحى جماعة الاخوان منها، مع سيطرة كبيرة للدولة على "النقابات المزعجة" بوجود مقربون منها أو محسوبين على الحزب الحاكم أو غير منتمين لأى تيارات أو أحزاب معارضة على رأسها.

وحقيقة لم يستطع خيالى حتى الأن أن يرسم سيناريو للموسم الانتخابي القادم على مستوى الحزب الوطنى الذى بات أكثر تنظيما وجماهيرية وتحديثا وقوة، مدعوما بسطوة الدولة وقدرات الحكومة .. ولا على مستوى المعارضة بكافة تياراتها .. ولكنى مقتنع أن الحزب والحكومة لو تعاملوا بهذا القدر من العطاء والدعم للناخبين – كل الناخبين – وليس الصحفيين وحدهم لدعم مرشحى الحزب فى أى انتخابات .. فإن الناس سيصبحون أكثر سعادة واستقرار ويرفعون شعار .. (بلا معارضة بلا إخوان بلا سياسية بلا قرف .. ويحيا الحزب الوطنى).

الاثنين، ٧ ديسمبر ٢٠٠٩

"البس العفريتة وتعالى" يا دكتور برادعى


بقدر ما تعجبت من تصريحات قيادات كبيرة فى السن والمقام داخل الحزب الوطنى والتى هاجمت اعلان الدكتور محمد البرادعى الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية عزمه ترشيح نفسه للرئاسة المصرية فى الانتخابات القادمة .. بقدر ما أزعجنى بيان البرادعى الذى نقل تلك النوايا، والذى حمل ما يشبه الشروط التى يجب توافرها حتى يعلن الرجل ترشيح نفسه للانتخابات.

مصدر العجب فى تصريحات رجال الحزب الوطنى أنهم مارسوا نوعا من البلطجة السياسية باستنكار اعلان البرادعى تفكيره فى نفسه للانتخابات الرئاسية وتفنيد ما اعتبروه أسبابا تجعل من ترشيحه مستحيلا .. أو أمرا لا يجوز .. وفعلا لا يليق .. بينما يسمح الدستور للدكتور البرادعى بهذا الترشيح اذا ما انضم لهيئة عليا لأحد الأحزاب القائمة الآن.. كما أن حديثهم عن عدم أهلية هذا الدبلوماسي العتيق لحكم مصر بدعوى أنه مغترب ويعيش خارج مصر منذ أكثر من ربع قرن (فترة حكم الرئيس مبارك تقريبا) أمر معيبا ولا يجوز صدوره من رجال يمثلون حزبا شكل حكومة من رجال أعمال لا علاقة لهم بالشارع المصرى تماما، ولدى بعض وزرائه جنسيات أخرى و90% تقريبا من مؤهلاتهم العلمية استوردوها من الجامعات الأمريكية والأوربية.

واذا كانت "فرقة حسب الله" الاعلامية الحكومية قد بدأت فى تقليب البرادعى على جمر المقالات الساخنة بالحديث عن المرشح المحمول جوا والقادم من الخارج .. فإن سؤالا هاما يفرض نفسه ويبحث عن اجابة فعلية عن الصورة التى يريدها الحزب الوطنى وإعلامه وصحفه ورجاله لانتخابات الرئاسة القادمة .. هل يريدونها انتخابات المرشح الوحيد .. أم انتخابات تحسمها التزكية وكأنها صراع على مقعد فى مركز شباب جزيرة الدهب .. أم يريدونها مرتبة سلفا بمرشحين مستأنسين.

وأحسب أن الرئيس مبارك حين أعلن اطلاق بعض الاصلاحات السياسية عام 2005 والتى شوهها ترزية الدساتير بأطول مادة دستورية فى التاريخ .. كان يريد رسم سيناريو لمصر القادمة مصر التى يحلم بها، والتى تنتقل فيها السلطة بشكل ديمقراطى حضارى، والا فما الداعى لالغاء الاستفتاء واطلاق الانتخابات، وما أهمية الاصلاحات الدستورية ما لم تكن لمزيد من الحقوق للشعب.

أما انزعاجى من بيان الدكتور البرادعى فمصدره أن البيان قد حمل ما يشبه الشروط لاعلان ترشيح نفسه هى نفسها مطالب كل الأحزاب والقوى السياسية فى مصر منذ سنوات طوال ويحمل نوعا من التعالى على الواقع السياسي الذى تعيشه مصر، وخوفا من خوض الانتخابات الرئاسية ومنافسة مرشح الحزب الوطنى فى الظروف الحالية، بينما تحتاج مصر زعيما يقود التغيير من الداخل فى شوارع مصر ومؤسساتها ولا يطالب به من الخارج عبر الايميل .. فمصر مثل سيارة تبحث عن ميكانيكى لا يخاف من أن يلطخه الشحم .. ومثل الارض الزراعية التى تحتاج فلاح "لا يقرف من الغوص فى الطين" .. فإذا كنت جادا يا دكتور برادعى "فإلبس العفريتة وتعالى" .. ومد ايدك .. وطالب بالتغيير .. وأرفع صوتك من الداخل بالتعديل الدستورى .. وسر فى مسيرات سلمية .. واستقطب الاعلام العالمى .. وواجه الظروف والمنافسين .. بدلا من أن تفرض شروطا لا نعرف على من تفرضها .. على الناس أم على الحكم.

الأربعاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٩

التقويم الجزائرى



كانت الأضواء ساطعة .. والألعاب النارية ترسم اسم مصر وتطبع صورة علمها على السماء الداكنة .. فاليوم هو ليلة رأس السنة الثانية عشر ما بعد مباراة الجزائر .. التى تحل فى الأول من شهر "إصرار" من كل عام .. لتؤرخ لذلك اليوم الذى صنع ثورة الكرامة المصرية والتى قادت ثورة تصحيح حقيقية ضد كل مفاهيم الفساد والاهمال التى كانت تقود الأمة فى عصور ما قبل الجزائر.

وكنت أروى لابنتى الشابة اليافعة .. كيف غيرت مباراة كرة قدم من واقع أقدم الأمم فى التاريخ .. وأعادت لها مكانتها الريادية الحقة .. فمنذ انطلاق ثورة "العزة" والمعروفة اعلاميا بـ"ثورة أم درمان" .. حققت مصر قفزات خرافية .. ليولد الحلم من رحم الهزيمة والاذلال .. حينما انتفض المارد المصرى .. ليقرر فى لحظة صدق .. أن الوقت قد حان للنهضة الشاملة.

فما حدث بعد تلك المباراة من اهانات للمصريين خارج وطنهم .. من الشعب الجزائرى الذى كان شقيقا حينها .. وحد الشعب خلف القيادة .. ودفع الناس دفعا لمراجعة أوراقهم وايقاظ ضمائرهم .. وحدة أعادت الرقى والتحضر للناس .. فعادت القاهرة الى رشدها كمدينة نظيفة .. وصار الذهاب منها وأليها نزهة خلابة .. فالناس أدركت ان الزحام المرورى .. كان صنيعة التصرفات اللأخلاقية والانانية .. توقف لصوص الدقيق المدعوم عن السرقة .. وخرجت القوانين التى تكفل العدل والعدالة من مجالسنا التشريعية .. حتى قبل أن يتم العام الأول من التقويم الجديد أيامه .. وكانت ذروة التصحيح اتمام انتخابات تشريعية راقية وشفافة وحرة .. راقبها العالم أجمع .. وضرب فيها المصريون أروع الأمثلة على أنهم هذا الشعب المتحضر الذى لم يكن يدرك قيمته وقيمه .. انتهت بانتخابات رئاسية نموذجية استندت على الدستور المصرى الجديد بالكامل.

فى العام الأول من التقويم الجديد وقف كل الفاسدين أمام القضاء العادل.. خاضعين لقانون الحق والشفافية .. لينالوا جزاؤهم عما فعلوه بهذا الوطن .. وضاعفت الحكومة الجديدة ميزانية التعليم والبحث العلمى عشرات المرات .. وتكافل المجتمع معيدا توزيع ثرواته على الجميع .. لتظهر الحقيقة الكبرى التى كانت مختفية تحت ستار الظلم .. وهى انظلاق المصرى الى المراتب الاولى بين الشعوب الأعلى دخلا فى العالم .. والأكثر سعادة ورفاهية.

لم ينتهى العام الثالث من تقويم ما بعد مباراة الجزائر .. الا وأصبحت مصر فى ريادة دول العالم فى جذب الاستثمارات .. بعد أن طورت الدولة برامج تدريب متخصصة لخريجى الجامعات .. وفتحت أبواب مواردها أمام المشروعات الجديدة التى نبعت من الأفكار البراقة للشباب المصري بغض النظر عن آفات الواسطة والمحسوبية التى كانت سائدة فى سنوات ما قبل الجزائر.

من يصدق أن المواطن المصرى صار من أكثر الشعوب التهاما للكتب .. وأن الكتب المترجمة من والى اللغة العربية تضاعفت عشرات المرات .. وهو ما ظهر جليا فى حالة من التحضر والرقى والثقافة .. دفعت مصر دفعا لاقتناص قمة الدول الأكثر جذبا للسياحة على مستوى العالم بما تملكه من امكانيات فاقت أعرق المقاصد الأوربية .. وفى أول جائزتين لنوبل فى الكيمياء والطب لعلماء من جامعاتنا .. وببحوث واكتشافات خرجت من معاملنا.

لم يقطع الطريق السلس الى استاد القاهرة كلامى مع ابنتى فى طريقنا لحضور المباراة الافتتاحية لكأس العالم 2022 التى تحتضنها مصر .. وان قطعتها ذكريات تلك الأيام الذى كنا نخوض ما يشبه المعارك الحربية لبلوغ تلك البطولة الكبرى .. وتنهيدة لواقع مصر الجديد .. الواقع الحقيقى الذى نفخر به اليوم بمصرنا الحبيبة بين الأمم.

الثلاثاء، ٢٤ نوفمبر ٢٠٠٩

أبعد حدود المسخرة




حتى الأن .. لا أفهم الموقف الرسمي للدولة من الاحداث التى أعقبت المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر فى مدينة ام درمان السودانية.. فما حدث بين الدول الثلاث انطوى بقدر كبير عى اهانة للمصريين ورمزهم الذى هو علم الدولة المصرية .. من ميليشيات منظمة ضمت خليطا من المجرمين والمسجلين خطر وربما مجندين جزائريين، أكد الاعلام الرسمى والخاص فى مصر أنها مدفوعة من جانب الحكومة الجزائرية التى تعمدت نقلهم الى السودان فى طائرات تابعة للقوات الجوية الجزائرية وشهدت تنظيما بدا واضحا وبشدة من التواجد الكثيف للمشجعين الجزائريين فى شوارع أم درمان والخرطوم بغرض الاعتداء على المشجعين المصريين، بخلاف المتواجدين فى المدرجات لتشجيع الفريق وترويع المنافس وجماهيره.
فبداية ظهور الموقف الرسمى الذى تجسدت فى مكالمة علاء مبارك نجل الرئيس للفضائيات المصرية وهجومه على الجزائر .. لم ينتهى بالحملة الاعلامية الهجومية الواسعة للقنوات والصحف المصرية ولا بأمواج المقاطعة التى قادتها نقابات فنية وشركات واتحادات رياضية .. ولكنها استمرت حتى بلغت قمة النظام الرسمى من خلال فقرة فى خطاب الرئيس مبارك فى الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية الأخيرة لمجلسي الشعب والشورى، والتى شددت فى كلمات واضحة على رفض مصر اهانة أولادها فى أى مكان، وان تجاهلت ذكر اسم الجزائر بشكل مباشر.
وما يحيرنى .. أنه اذا كانت الدولة المصرية تهدف من وراء تلك التعبئة الاعلامية والرسمية مجرد "قرصة ودن" للجزائريين تعود بعدها الأمور الى ما كانت عليه قبل 18 نوفمبر .. فإن ما يحدث على الأرض لا يشير الى ذلك .. بل يتعداه بكثير .. فما يدور بين القاهرة والجزائر .. ليس عضا متبادلا على الأصابع .. ولكنه قطعا لها .. لقد وصل الأمر الى أن ترويع المصريين فى الجزائر أصبح ممارسة يومية للمواطنين هناك .. وحتى بلغ الأمر حدا علق فيه أحد المصريين لافتة على باب متجره بضاحية المهندسين تقول "ممنوع دخول الكلاب والخنازير والجزائريين".
وبالتالى فإن زمن اللوم والعتاب قد تم تجاوزه بكثير عبر أفعال متبادلة من الجانبين وتصريحات بلغت المستوى الرئاسي فى البلدين .. وصارت العودة مستحيلة.
أما اذا كانت الدولة المصرية تخطط لقطع العلاقات بشكل كامل مع الجزائر وسحب التمثيل الدبلوماسي وتصفية الاستثمارات واجلاء الرعايا .. فهذا أمرا أخر .. يفترض أن نكون قد درسنا أبعاده بالكامل .. وتدابير مواجهة تداعياته على كافة الأصعدة .. وحددنا سقفا زمنيا لتنفيذه على أن يكون سريعا ودقيقا وبأقل الخسائر الممكنة .. حتى لا يستنزف جهدنا أكثر من ذلك .. ولكى نلتفت الى أمور أخرى هى حياتنا اليومية وقضايا الأكثر أهمية.
ما نراه فى الوقت الحاضر لا يحدد وجهة القرار الفاصل .. ويحير الناس .. ويشحن طاقاتهم .. ويثير غضبهم من الروتين اليومى المتبادل بيننا وبين الجزائريين، الذى يتضمن كل أنواع الاهانة والاذلال الى أبعد حدود المسخرة .. ليبقى السؤال الأبرز عنوانه "الخطوة القادمة" .. وغالبا الأخيرة.
نشرت بجريدة الميدان بتاريخ 25 نوفمبر 2009

الثلاثاء، ١٧ نوفمبر ٢٠٠٩

هبلة ومسكوها طبلة



بغض النظر عن النتيجة المرتقبة لمباراتنا الفاصلة مع المنتخب الجزائرى فى السودان والتى ستحدد من الفريق الذى سيتأهل الى كأس العالم، تركت حالة الاحتقان الشديد فى العلاقات المصرية الجزائرية غصة فى الحلق وحالة من القرف لما تؤول اليه علاقاتنا العربية – العربية، التى يفترض أنها تملك كل مبررات القوة من وحدة الدين والثقافة واللغة والمصالح والأعداء أحيانا.
ما حدث فى الجزائر من اعتداءات على المصالح والشركات وتهديد حياة الجالية المصرية هناك .. كان مخجلا وقاسيا ومؤلما .. ويحمل عنفا غير مبرر .. عنفا صنعته ثورة الميديا والمعلومات فى الأساس .. عندما تبارت الصحف الجزائرية فى اختراع أخبار ليس لها أساس من الصحة .. ونقلتها عنهم الصحف ومواقع الانترنت المصرية فى ذات اللحظة .. لتعيد نشرها وتشعل لهيب الغيرة والفتنة .. قبل أن تتبارى بعض الفضائيات والصحف فى الرد على الصفعة بصفعة .. والركلة بركلة .. والقبضة بالقبضة .. وكأننا فى خضم حرب على تحرير الأرض والعرض.
استغل الشباب المصري والجزائرى كل شئ فى لعبة العض على الاصابع .. جزائرى ينشر لقطات فيديو لحرق العلم المصري .. فيرد عليه مصرى بالمثل .. أحدهم يستخدم لقطات تظهر الزعيم النازى هتلر يتحدث عن المباراة بلسان جزائرى .. فيرد أخر بتحويل لقطات لاقتحام القوات الأمريكية لسواحل قيتنام بلسان مصرى .. فوضى غير محدودة صنعتها ثورة الاتصالات التى اخترعها العالم المتقدم لتكون أداة لحرية التعبير .. فتصبح أداة لحرية التدمير.
لقد تمادى الاعلاميون كل فى طعن الأخر .. حتى تحولت المباراة هنا فى القاهرة الى موقعة حربية .. سبقتها معركة الاوتوبيس الجزائرى والطوبة التى استقبلته والتى حولها الجزائريون الى فيلم هابط بلا أبطال .. ورسم سيناريو أحداث المباراة والهدف المصري فى اللحظة الاخيرة .. مشاهد صاخبة فى عنفها .. فكانت النتيجة أكاذيب يروجها الخاسرون .. وشماتة يظهرها المنتصر .. حتى جاءت الطامة الكبرى بشائعة نشرها شاب جزارى على موقع اليوتيوب حول مقتل 4 مشجعين جزائريين فى القاهرة .. مستشهدا بلقطات مزعومة صورت على كاميرا موبايله ولم يراها أحد .. وانتقل الخبر بضغطة زر للصحف هناك التى لم تتحقق ونشرت الخبر الكاذب .. فإنفجر الغضب الجزائرى فى وجه كل مصرى فى الجزائر وكان المشهد الحزين.
لقد أثبت العرب – كل العرب – أننا نتعامل مع ثورة المعرفة والاتصالات والمعلومات بأسوأ صورها .. وبمنطق المثل المصرى الحكيم "هبلة ومسكوها طبلة" .. فكانت النتيجة ضجيج بلا معنى ولا مبرر ولا يتناغم مع حقيقة أنها مبارة كرة قدم .. فيها ولابد فائز واحد وخاسر واحد .. ولا صلة لها بالسياسة ولا علاقات البشر .. لكن "الهبلة" لم تفهم .. فخرج القطار عن طريقه وانحرف ليجرف كل ما أمامه .. والنتيجة قطيعة مرتقبة .. وعلاقات متوترة مع دولة عربية مسلمة من تلك الدول التى نسميها الشقيقة.
لقد تمادى الجزائريون فوق الحد .. ولم تمنحنا ريادتنا القدرة على السيطرة والهدوء ولم الشمل .. فإنجرفنا الى مستنقع عفن من العلاقات الانسانية .. والخوف كل الخوف من هذا المستنقع الذى قد نواصل الغرق فى وحله بعد مباراة الخرطوم.

الثلاثاء، ١٠ نوفمبر ٢٠٠٩

سبوبة التعليم فى مصر


رسائل صارخة وحقائق صادمة جمّعها الدكتور فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشورى فى جلسة واحدة وألقاها فى وجهنا، خلال ندوة عقدت بصالون احسان عبدالقدوس بنقابة الصحفيين منذ أيام، كشفت كلها عن المبدأ الاساسى الذى يحكم القرارات العليا حول التعليم فى مصر، وهو التخبط والفوضى وغياب التخطيط.

لم يقل الدكتور فاروق ذلك صراحة .. لكنه حين يقول أن مصر افتقدت أى استراتيجية واضحة لتطوير التعليم العالى مع زيادة عدد السكان، منذ اطلاق مجانية التعليم على يد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1958، وأن الجامعات أنشأت بدون مراعاة لعدد الطلاب الذين يدرسون بها، فهذا يشير الى أن التخطيط يعانى الغيبوبة فى مصر منذ أكثر من نصف قرن، وأننا لم ننظر يوما للمستقبل ولم نعمل له حساب.

حين يقول أن التجربة التى يدعو إليها الدكتور هانى هلال وزير التعليم العالى لتقسيم الجامعات الحكومية، إلى تعليم متميز بأموال وتعليم "عادى" مجانى، تصطدم بالدستور اصطداما مباشرا، معناه أن مسئولينا يتصرفون بعيدا عن القوانين والدستور، لكنه حين يعلن أن تلك التجربة ستساهم فى تعليم الطلاب بشكل أفضل – رغم تعارضها مع الدستور – فذلك يعنى، أننا نصيغ دساتير لا تقدم الأفضل للشعب.

عندما يقول أنه لا يجب الانصياع لدعوات إلغاء مكاتب التنسيق بالجامعات، والذى يشبهه بـ "القاضى العادل" لأننا فى بلد تحكمه الواسطة، فهذا معناه أننا وطن بلا معايير.

حين يعلن أنه لا قلق من الجامعة البريطانية تخضع لقانون تنظيم الجامعات، وأن الجامعة الأمريكية "تشبه أرضها أرض السفارة"، ولا تخضع لقانون تنظيم الجامعات، وأنها تجربة لا يجب أن تتكرر على ارض مصر، فهذا معناه أنها أقوى من الدولة ومن الحكومة، وأن ابقائها خارج السياق "يدعو للقلق".

حين يقول أنه لو أصبح وزيرا للتعليم سيعدل قانون المعاهد العليا، وسيغلق 130 معهدا من أصل 135 معهدا خاصا لأنها – حسب قوله - تحتاج إلى أن "تتهد وتتبنى من أول وجديد"، فهذا معناه أن هذا الباب حين فتح على مصراعيه، كان مجرد "لقمة عيش حلوة" ومصالح و"تفتيح مخ" ولا عزاء للتعليم.

وعندما يقول أن سياسة استقلال فروع الجامعات، تمت دون استعداد مسبق وتجهيز لها مما يجعلها متكدسة وغير قادرة على تقديم مستوى علمى متميز، وأن الجامعات الخاصة فى مصر حققت أرباحا كبيرة فى سنوات انشائها الأولى – قبل تطبيق نظام الجودة - رغم أنه فى العالم كله لا يوجد استثمار فى التعليم، وإنما مشاركة مجتمعية، وأن الجامعات الحكومية لا تستطيع أن تتقدم لنظام الجودة بوضعها الحالى لأن كلياتها تحتاج الى هيكلة، .. فهذا معناه "حسبي الله ونعم الوكيل".

الثلاثاء، ٣ نوفمبر ٢٠٠٩

الصقور والحمائم فى مؤتمر الحزب الوطنى



ليس من المنطق أن يهاجم الحزب الذى يملك كل السلطات.. بقايا الاحزاب والجماعات المحظورة الا اذا كان فى الامر إن

لماذا انقسم الحزب الحاكم بين حمائم تتحدث عن أن شرعية الحكم تنبع من وجود المعارضة وصقور تهاجمها بضراوة

تقول المعطيات السياسية لمصر .. أنها وطن لا تعيش فيه السياسة .. ولا تسكنه مبادئ تداول السلطة .. ولا يعرف منذ قيام ثورة يوليو سوى مفهوم القطب الأوحد .. من مجلس قيادة الثورة .. الى الاتحاد الاشتراكى .. الى الحزب الوطنى الديمقراطى .. ورغم أننا بلد يضم 23 حزبا الى جانب الحزب الحاكم .. الا أن ممثلى الأحزاب مجتمعة فى مجلس الشعب لا يتجاوز الـ 10 أعضاء .. من بين 444 عضوا منتخبا .. وهو ما يؤكد أن الاحزاب لا وجود لها بشكل عملى .. وأن المعارضة بلا حول ولا قوة .. اذا ما أخذنا فى الحسبان أن الكتلة المعارضة الاكبر التى هى جماعة الاخوان المسلمين تمثل جماعة يحظرها القانون ويحاربها الأمن .. وتتربص بها "جوقة" من وسائل الاعلام الحكومية المتحدثة بلسان الحزب الوطنى بشكل مباشر وغير مباشر.

لذلك فإن الهجوم الشديد من قيادات الحزب الوطنى فى مؤتمرهم السنوى السادس على المعارضة والاخوان، يبدو فى ظاهره غير مبرر نظريا، فليس من المعتاد أن يهاجم الديناصور مجموعة من كواسر الغابة وقوارضها، كما ليس من المنطق أن يهاجم الحزب الذى يملك كل السلطات ولديه وحده فرصة منح شهادة الحياة والشرعية للأحزاب، ويحتكر كل المناصب، مجموعات من بقايا الاحزاب والجماعات المحظورة الا اذا كان فى الامر إن.

فما هى الحكاية وما هو سر الهجوم العنيف غير المسبوق من قيادات الحزب الوطنى فى مؤتمره السنوى السادس، ولماذا انقسم الحزب الحاكم (فى عملية توزيع أدوار واضحة) الى مجموعة من الحمائم تتحدث عن أن شرعية الحكم تنبع من وجود المعارضة وأن الحياة السياسية فى مصر لا طعم لها بدون وجود الاخر وأن وجود تمثيل قوى لأحزاب المعارضة فى البرلمان القادم يدعم الحياة السياسية والتبشير بأن الانتخابات القادمة ستكون تاريخية فى شفافيتها ونزاهتها .. وبين تيار من الصقور يهاجم المعارضة بضراوة وينذر باكتساح الانتخابات التشريعية القادمة ونهاية زمن الانشقاق بين مرشحى الوطنى وتسلل مرشحى المعارضة أو على الاحرى الاخوان من تلك الشقوق الحزبية، وهو ما لن يقبله الحزب مرة أخرى حسب تصريحات الصقور والحمائم معا .. وبلغة أخرى لماذا حرص الحزب هذه المرة أن يقدم كثيرا من الوعود والوعيد فى نفس الوقت.

الحكاية باختصار ومن خلال اجتهادنا فى رصد الأمور، يمكن تلخيصها فى خمس نقاط :

1. يعتبر المؤتمر السنوى للحزب منذ انطلاقه للمرة الأولى عام 2003 موسما للوعود والشعارات الكرنفالية واستعراض الخطط والعضلات من جانب الحزب الوطنى، ويمثل فى نفس الوقت الموسم المثالى للهجوم على الحزب واستعراض الواقع المرير عادة، وشن الحرب على حكومته ووزرائها واستدعاء كل الاخفاقات التى مرت خلال عام .. بل وخلال 30 عاما من الحكم الحالى فى بعض الاحيان، وعقد مؤتمرات موازية مثل "مؤتمر القلة المندسة .. هنا القاهرة وليس الجابون" الذى ينظمه شباب حركة 6 ابريل، "وهو ما يشوش على "استعراض الحزب" لخططه وانجازاته، ويهدد بانزال الستار على العرض مبكرا، لذلك قررت قيادات الحزب هذا العام منح المعارضة "لعبة" تلهو بها وتتحدث عنها وتنشغل بها وسائل الاعلام لحين انتهاء المؤتمر، بمنطق أن الهجوم خير من الدفاع، وقد تحقق للحزب ما أراد وسيطرت أخبار وتصريحات الهجوم على المعارضة على التقارير الرئيسية فى كافة الصحف الخاصة، وتوارت أخبار المؤتمرات الموازية والمعالجات الصحفية لتقييم أداء الحزب وحكومته.

2. يعلم الحزب الوطنى جيدا أن غالبية أحزاب المعارضة لا وجود لها تقريبا فى الشارع، ولا تعريف لها على خريطته اللهم إلا لاداء دور معين فى الديكور السياسي الديمقراطى، لذلك وسع الهجوم ليطول المعارضين والمشككين، لادراكه أن المعارضين غير المنتمين لأى من الأحزاب منتشرون بشكل أكبر فى وسائل الاعلام المستقلة أو الخاصة "صحف وفضائيات" والتى أصبحت أكثر تأثيرا على النخب المثقفة فى مصر، بل ويسيطرون عليها، وأن الاعلام الحكومى رغم ضخامة مؤسساته وتعدد اصداراته وقنواته يفقد ميزة الحياد والاستقلالية لدى الناس، لذلك فضل الحزب استخدام اللغة "الحارة" فى خطابه، وهى اللغة التى تقبل عليها الصحف الخاصة ويضمن بها الحزب تصدر الصفحات الأولى، بدلا من أن يتصدرها المعارضون المتناثرون هنا وهناك،كما ألقت قيادات الحزب الكرة فى ملعب الفضائيات بالحديث عن أن ما يدور فى المؤتمر لن يراه الناس، لأن الفضائيات تركز على السلبيات وتتجاهل الايجابيات، فى اعتراف ضمنى بقوة الاعلام المستقل، وبالتالى مطالبة الفضائيات برد هذا الهجوم من خلال "نظرة الى الايجابيات" تثبت بها استقلاليتها وحيادها.

3. يستعد الحزب الوطنى للانتخابات التشريعية القادمة "انتخابات مجلس الشورى فى شهر ابريل القادم وانتخابات مجلس الشعب فى شهر اكتوبر" وكحزب سياسي يخوض انتخابات فى مناخ يفترض فيه المنافسة، فإن أدبيات المعارك الانتخابية تقتضى استدعاء بعض الهجوم وإظهار العين الحمراء، واستعداء بعض القوى، والتأكيد على أن الحزب قوي ومتمكن وقادر على الهجوم من المنابر السياسية، وليس عبر الاليات الأمنية فقط، لمنح مرشحيه القوة المطلوبة لخوض المعركة القادمة ومنحهم المفردات اللازمة للخطاب المطلوب لحشد الأصوات ومواجهة الخصوم "معارضة ومستقلين" ورسم خريطة طريق لشكل المنافسة القادمة .. خاصة أن الحزب ركز فى مؤتمره السادس على "الكتلة التصويتية الأكبر" وهى الفئات الفقيرة والمتوسطة، ففتح أماها "أبواب النعيم" بتصريحات لو تم تنفيذها لانتقلت مصر من الدول التى تقهر مواطنيها الى مصاف الدول العادلة، وروج بشكل جيد لشعاره العام "من أجلك أنت" الذى يخاطب المواطن الخائف على قوت يومه، والمرعوب من المستقبل، لأن الحزب يدرك جيدا أهمية الحصول على الاغلبية اللازمة لتمرير أى تعديلات تشريعية أو دستورية قادمة، وإعاقة وجود مرشحين معارضين أمام المرشح القادم للرئاسة وفقا للمادة 76 من الدستور التى تستلزم الحصول على موافقة حوالى 250 عضوا من أعضاء المجالس التشريعية والمحلية والشعبية على ترشيح أى شخص للرئاسة، وبالتالى فإن سيطرة الحزب على كافة المجالس النيابية سيعيق بشكل مباشر وجود مرشحين على المنصب الكبير.

4. لدى الحزب معركة أكبر بكثير من الانتخابات التشريعية وهى الانتخابات الرئاسية عام 2011، بينما فضل الحزب حجب اسم مرشحه للرئاسة تاركا التكهنات "تأكل بعضها البعض" بين ترشيح الرئيس لفترة سادسة أو ترشيح نجله جمال أمين السياسات الامين العام المساعد، او أى شخصية أخرى من قيادات الحزب، الى جانب التعديلات الدستورية المطلوبة وعلى رأسها المادة 77 التى تحدد مدة ولاية الرئيس والتى تعانى من "عوار دستورى"، وحيث أن الحزب ليس لديه أى نوايا لتعديل تلك المادة الملقبة بـ"المادة الحرام"، كان يجب أن يقترن الرفض بلغة حادة وقاطعة وفى سياق هجومى، وعلى لسان أى شخص غير الرئيس، فجاءت على لسان أمين السياسات، كقياس لموقف الرأى العام داخليا وضغوط الخارج من رفض التعديل الدستورى المطلوب، بحيث يتدخل الرئيس اذا ما أقتضى الامر مطالبا مجلس الشعب بتعديل "المادة الحرام" سواء فى دورته البرلمانية الأخيرة، أو حتى فى أولى الدورات البرلمانية للمجلس الجديد.

5. حضر جلسات المؤتمر السنوى السادس للحزب الوطنى عدد كبير من الضيوف يمثلون 19 دولة أجنبية تتصدرهم مارجريت سكوبى سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة، وإيوانس كاسوليدس مسئول المجموعة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، وكان من الطبيعى أن تستعرض قيادات الحزب قوتها أمام ممثلى دول العالم من خلال طرح أفكارهم وبرامجهم، ومن خلال الابهار فى التنظيم، وتغيير الاخراج على المسرح ليسمح بمزيد من الحركة على الطريقة الغربية، ومهاجمة المعارضة "وهو أسلوب مباح فى الأدبيات السياسية الديمقراطية فى الدول المتقدمة"، والاشارة الى قوة الحزب وسيطرته على الأمور ومواجهة المعارضة صاحبة الصوت العالى فى الخارج، وللتأكيد على أن الحكم فى مصر يستند إلى كيان حزبى قوى ومتجذر، قادر على المبادرة بالهجوم وقادر على الحفاظ على استقرار الحكم متى تطلب الامر ذلك.

وبغض النظر عن اللهجة الهجومية العنيفة للحزب فى مواجهة المعارضة "الاحزاب والاخوان وقوى التغيير المستقلة"، قدم الحزب الوطنى وعودا تكفى لصياغة برامج المرشحين، وبقى التنفيذ .. وهى الخطوة التى تتربص لها المعارضة لرد الهجوم فى حينه .. ليس مؤتمرات .. ولكن عبر وقائع تحدث يوميا تحمل فى طياتها كل موبقات الحكم .. فهل استعد الحزب الوطنى من الآن لمواجهة رد فعل تلك القوى فى معركة تشبه أقلام "عنتر ولبلب" السبعة فى الكوميديا الشهيرة .. هذا ما ستظهره الايام القادمة فى عامى الحشد السياسي وتبادل الطعنات عامى 2010 و2011.

لماذا لا يصبح حمدى الطحان وزيرا للنقل



من بين كافة أعضاء مجلس الشعب المصرى من المنتمين للحزب الوطنى الديمقراطي .. لم يكن هناك نائبا مزعجا للحكومة ورجالها، بقدر حمدى الطحان رئيس لجنة النقل بمجلس الشعب، فالنائب الذى ينتقل أحيانا الى مقاعد المعارضة اذا ما ازدادت وتيرة التصفيق والتهليل من زملائه، كان دائما الرجل الأمين الذى تلجا اليه وسائل الاعلام لاحاطتها بالحقيقة فى أى أمر يتعلق بالنقل وهمومه فى مصر وما أكثرها.

وفى أعقاب الاستقالة التى تقدم بها محمد منصور وزير النقل على خلفية حادث العياط الذى راح ضحيته عشرات القتلى والمصابين، وتكليف الرئيس مبارك للدكتور حسن يونس وزير الكهرباء بادراة ملف النقل لحين اختيار الوزير الجديد، فإننا نطرح اسم حمدى الطحان للمنصب الوزارى الشائك ولو فى تلك المرحلة الانتقالية الخطرة التى قد تمتد لأكثر من عامين .. ونتسائل عما اذا كانت هناك موانع لهذا الاختيار أم لا.

حيثيات ترشيحنا للطحان تستند على أكثر من مبرر، أولها أن الرجل على دراية كاملة بملف النقل بحكم منصبه البرلمانى كرئيس للجنة النقل والمواصلات على مدار أكثر من عشر سنوات عاصر خلالها كل أزمات ملف النقل فى مصر، وكان فى أعقاب كل أزمة، واحد من قلائل يضعون روشتة للاصلاح، وهو صاحب تعبير "السكة الحديد .. لا يديرها سوى رجال من حديد" .. وكان دائما مغروسا فى الوساطة لحل الازمات والاضرابات التى قام بها عمال السكك الحديدية، على مدار السنوات الخمس الماضية.

يملك الطحان ثقة المعارضة واحترامهم، لأنه النائب الذى أعلن صراحة عدم اكتراثه بالالتزام الحزبي وعدم احراج حزبه تحت قبة البرلمان، اذا ما تعارضت مواقفه مع مصلحة الوطن، رافعا شعار "إذا وضعت الحقيقة ومصلحة الوطن فى كفة، والالتزام الحزبى فى كفة، سأختار مصلحة الوطن والحقيقة، ومؤكدا أن هيبة الدولة تتراجع بسبب عدم حفاظها على مرافقها وتطبيق القانون.

تعرض الطحان للنبذ كثيرا داخل حزبه، وتحمل فى سبيل مواقفه الابتعاد عن بعض الاجتماعات الحزبية شديدة السرية، لأنه كان يرفع دائما صوته بما تيسر له من الحق، لا يتورع عن القول بأن البلد فى انهيار وأن الحكومة أصبحت لديها القدرة على مواجهة الناس وهى مخطئة.

أليس الطحان هو الرجل المناسب فى تلك المرحلة التى تتطلب رجلا سياسيا عالما بمواطن الأزمات داخل قطاع النقل، ويركز على تحقيق أمال الناس واحتياجاتهم لايمانه أن "الشعب فوق الجميع".. بدلا من البحث عن رجل أعمال مثل محمد منصور رجل الأعمال ووكيل السيارات المعروف الذى تعامل مع الوزارة كمؤسسة تحاول تقليل خسائرها وتجاهد لبلوغ نقطة الربح، ناسييا متناسيا الطبيعة الخدمية الخاصة للوزارة، وأن مواجهة مشكلات العمال أهم من تحديث القاطرات، أو التنقيب عن رجل أكاديمي لم يفارق مكتبه منذ سنوات ليغوص فى وحل الوزارة.

تحتاج المنصب لرجل لا يخشى فى الحق لومة لائم .. رجل يخشاه من فى الوزارة .. رجل حين كلف باعداد تقرير لجنة تقصي الحقائق عن العبارة السلام 98 التي راح ضحية غرقها 1033 مواطنا، لم يخاف من المناخ العام ولم تردد من الاشارة الى الفساد .. فماذا يحتاج المنصب أكثر من ذلك.

مصطفى محمود



كم كنت منبهرا فى طفولتى ومراهقتى بهذا الرجل، فبرنامجه "العلم والايمان" كان نافذتى المرئية الوحيدة للموضوعات العلمية، والاطلاع على العالم الخارجى واهتماماته وأبحاثه وثقافاته وعلومه، وكان الرجل نفسه محط إعجاب أكبر حين اشتد العود وتجرأت على قراءة بعض كتبه ورواياته فزاد انبهارى به مرة أخرى، وحين وطأت قدمى منطقة المهندسين لأول مرة ورأيت الجمعية والمسجد المسمى بإسمه، أدركت أنه ليس كغيره من المساجد التى أعرفها، فقد أعاد الرجل تعريف المسجد، ليصبح مكانا للعبادة وخدمة المجتمع.

كان الدكتور مصطفى محمود بالنسبة لى سند حقيقى لرحلة الايمان، فهو الرجل الذى انتقل فى تلك الرحلة من اتجاه الى اخر، وفى كل مرة كان لديه من الجرأة ما يكفى لأن يعلن قناعاته، حول الالحاد والأيمان، وكان حتى سنواته الأخيرة رجلا مسلما وفقا لتعريفه هو، فهو مسلما مسلحا بالايمان، وليس مستترا بالاستسلام، لذلك كان حضوره على صفحات جريدة الأهرام كاتبا ومفكرا وفيلسوفا، نوعا من التغذية الفكرية والروحية، وكانت كتاباته حتى تلك التى لم أقرؤها "تهمس فى عقلى" أن الدنيا بخير.

كانت طلة صورته دائما لها تأثير ايجابى على روحى المعنوية، وكم هم قليلون من لهم هذا التأثير على بذاك القدر، لذلك حين عملت بالصحافة وحدث الاستعداء والهجوم العشوائي عليه من كل حدب وصوب لانكاره شفاعة الرسول الكريم يوم القيامة، حاربت كثيرا حتى لا يجرفنى تيار المراهقة المهنية فى سنوات اثبات الصحافة لفحولتها، واكتفيت بأن انكفئ على الفكرة، حتى أصابنى منها بعض الايمان، وراودنى قليل من الشك، فارتضيت وأنا المسلم المستسلم أن أبقى على قناعاتى بداخلى، وإن أدركت أن أن العمل الصالح الذى أوصانا به الاسلام هو خير من سيشفع لنا يوم الحساب.

أحب الزعيم الراحل أنور السادات، وزاد حبى له عندما عرفت أنه كان معجبا مثلى بمصطفى محمود وانه أعاد طبع كتبه التى منعتها الثورة، وأنه من شجع اطلاق برنامجه العلم والايمان، وأنه كان يرفع الشعار نفسه لدولته "مصر دولة العلم والايمان".. وأصابنى فى الوقت نفسه نفس الحزن المتبادل لاغتيال السادات، حتى كان سؤال الدكتور مصطفى محمود حول تلك الجريمة هو نفس السؤال الذى كان يلح على منذ الطفولة، "كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلا رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر".

فرحمة الله على هذا الرجل الذى فارقنا هذا الاسبوع، وهنيئا له بحب الناس ورضاهم .. عسى أن يدخله الله جناته وينال بعمله وعلمه وأخلاقه ومبادراته شفاعة مع شفاعة رسولنا الكريم .. وألهمنى وأسرته الصبر على القضاء ومفارقة الأحباب.

الأربعاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٠٩

مذبحة للأشجار النادرة فى حلوان


لم يقتنع صديقى أيمن أبو العز المدير بأحد منظمات المجتمع المدنى، بأن شكوته التى أرسلها عبر البريد الألكترونى الى مكتب شكاوي المواطنين التابع لجهاز شئون البيئة، تكفى للتعبير عن حجم المجزرة التى أوجعت قلبه يوم الجمعة الماضى، فالرجل الذى تزعجه أزمة الاحتباس الحرارى، ويدرك أن مصر ستكون ثاني دول العالم تأثرا بتلك الظاهرة بعد بنجالاديش، يعرف جيدا قيمة الشجرة في عملية تنقية الهواء من زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس، لذلك عاد الى منزله وحمل كاميرته الخاصة ليؤرخ لتلك الجريمة.

لكن أحد من المجرمين المجهولين فى وجهة نظره الذين قاموا ببتر عدد كبير من الاشجار بشارع رياض تقاطع شارع مصطفى فهمي بضاحية حلوان، لم ولن يشعر كما شعر أبو العز ومن مثله، الذين يرون فى هذه المذبحة لتلك الاشجار النادرة، منظر رهيب يستحق التحرك والشكوى، خاصة أن عملية ذبح الأشجار تمت بشكل غاية في القسوة وعدم التحضر، وصفه بأنه ينم عن جهل من يخرق سفينة الحياة، مستنكرا صمت إمام المسجد المجاور لتلك المذبحة التى ينهى عنها الله ورسوله.

يهتم أبو العز بما يعرف بالـ Carbon Footprint وهو مقدار الكربون المنبعث في الجو نتيجة لحياتنا اليومية، لكنه لا يعرف فى المقابل ما هو الدور الذي تقوم به وزارة البيئة على وجه الخصوص وباقي الوزارات على وجه العموم في توعية المواطنين بالمخاطر المحيطة بنا ودورهم في التغلب عليها .. لكنه حتى الأن لا يعرف من الذى قاد تلك المذبحة .. ولماذا .. فهل يعرف مسئولى الحى .. لا أعتقد.

حسن الزوام

نشرت بجريدة الميدان فى 28 أكتوبر 2009

الصحافة وعنصرا الامة



دفعت الطبيعة التجارية وقواعد السوق والعرض والطلب، الصحف فى مصر الى البحث عن طرق لترويج نفسها، وتحقيق مبيعات تساهم الى جانب العوائد الاعلانية فى تحقيق أرباح أو حتى الوصول الى نقطة تعادل بين الايرادات والمصروفات، حتى أصبحت "الاثارة" هى السياسة البيعية الأولى لغالبية الصحف فى مصر، وفى مقدمتها الصحف الخاصة، بحكم أن الصحف المملوكة للدولة لا تكترث للخسائر مثل نظيرتها المستقلة ولا يهمها تدبير المرتبات المضمونة من قبل الحكومة.

وفى مجتمعنا المصرى ما زال ثلاثى "الدين – الجنس – السياسة" هو مدخل الاثارة ومنبعها الأول، فلجأ من لجأ الى الدين، والتصق من التصق بالجنس، وتطبع من تطبع بالسياسة وهمومها، وأصبحت تلك هى طبيعة السوق، وطبيعة القارئ نفسه، حتى دخلت صحف حكومية على الخط نفسه طمعا فى تواجد يحميها من برودة الفناء والنسيان.

لكن ما يقلقنى كواحد من أبناء هذه المهنة هو العبث بملف العلاقة بين مسلمى مصر ومسيحييها، وجذبه الى الثالوث المقدس، كمنبع للاثارة والبيع ولفت الانظار، وتجاهل كل قواعد العمل الصحفى فى تناوله، فى الوقت الذى يجب أن نتعامل فيه كصحفيين مع هذا الملف بحرص شديد لا يضاهيه حرص فى أى ملف أخر.

ولا يجوز من الاساس أن نستدعى ملف العلاقات بين "عنصرى الأمة" الى منطقة تهويل العناوين وتضخيم الأحداث والتنقيب عن كل ما هو مشتعل من تعبيرات وألفاظ، وتجاهل ابراز كل ما هو مهدئ ومنطقى وطبيعى.

أقول ذلك بعد أن لمست فى معالجة بعض الصحف الخاصة وتحديدا "اليوم السابع – الدستور – الشروق - المصرى اليوم" على الترتيب ميلا لاستخدام ما هو أسخن من العناوين، مما يهدد باشعال الأمور بشكل أكبر، وتجاهل ما هو أكثر هدوءا، والبحث عن مواطن التطرف فى أى خلاف، وتجاهل نداءات العقل والتعقل، وهو الدور المطلوب من الصحافة والصحفيين فى مثل هذه الامور.

وأحسب أن الزملاء فى الصحف الأخرى، وحتى فى جريدة الميدان يدركون أننى لا أدعى على أحد فهما أكثر، ولا ادراكا أعمق للأمور، ولا رغبة فى هجوم على أحد، ولكن غايتى هى مجرد اشارة من زميل لقضية هامة تستحق ان نتحاور فيها كمجتمع صحفى بعيدا عن اية املاءات من اى جهة لتحديد ما فيه الصالح العام والتصدى لدور المهنة فى قضايا الوطن الهامة.

حسن الزوام

نشرت بجريدة الميدان بتاريخ 28 اكتوبر 2009

مؤتمر الفرصة الأخيرة


موسم دراسى جديد .. يواجهه الحزب الوطنى فى انتظار يوم الاختبار .. انه موسم الامتحانات الشاق .. الذى يكرس له الحزب الحاكم .. كل انتباه .. وكل كلمة .. وكل لفتة .. وكل اشارة .. بحرص شديد .. وبأقل ازعاج ممكن .. انه الموسم الذى يقلِّم فيه الحزب مخالبه وأنيابه بارتداء "قفاز وكمامة" حتى اشعار أخر.

فى تلك الايام .. يبدأ الحزب مراجعاته .. انها ليست المراجعة النهائية .. ولا مذاكرة ليلة الامتحان .. لكنها الاعداد "للتيرم الأول" من العام .. فالحزب الذى يستعد من الأن – حتى وان انكر بعض المتحدثين بإسمه – للانتخابات التشريعية (انتخابات مجلسى الشعب والشورى) التى لا يقبل فيها بأقل من أغلبية الثلثين حتى يستطيع تمرير ما يمكن تمريره .. وحماية من يرغب فى حمايته .. وابقاء الوضع مستقرا حتى الجمود.

يستعد الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم الأن .. لمؤتمره السنوى السادس .. وهى بدعة حميدة "انطلقت مع الظهور السياسي" لجمال مبارك نجل الرئيس والواجهة السياسية الشابة للحزب بانطلاق الفكر الجديد .. بشعار جديد .. لا يغازل المفاهيم الاقتصادية .. بقدر ما يتعاطف مع "البنى أدم المصرى" الذى وصل الى الدرك الاسفل باعتراف الجميع .. حتى رجال المعونة الامريكية فى مصر .. وخدمة البنك الدولى .. ورعايا صندوق النقد .. "بنى أدم" يسمع كلام الحكومة عن "ما تسميه نموا" فيصدقها .. وان يرى أموره يتعجب ويغضب ويسرق ويغتصب ويقتل ويفسد فى غالب الحال.

يدخل الحزب الوطنى .. مؤتمره السادس بشعار اسمه "من أجلك أنت" .. و"انت" هنا عائدة على الغائب .. أو على المواطن الذى غاب عن المؤتمرات الأربع الماضية .. والتى حل محله فيها .. "أنت" العائدة على رجل الاعمال .. المستثمر "صياد الفرص" .. القادر على "تفتيح دماغه" .. والاعتراف بالنعمة ومولاها.

يعود الحزب الى "أنت المواطن" .. بعد أن تحدث عن "العبور للمستقبل" .. فعبر الحزب ورجال اعماله ونسى المواطن .. وعن "الانطلاقة الثانية للمستقبل" لم ينطلق احد .. و وحتى حين أعلن الوطنى حملته بشعار "مصر بتتقدم بينا" أى برجال الحزب والطائفين الراكعين الساجدين لحمده وشكره .. فتقدم هؤلاء .. وبقى المواطن مستقرا لا يخشى مزيدا من السقوط .. فماذا أسفل من القاع؟.

وحين يعود الحزب الوطنى الى المواطن .. فهذا يعنى أنه سيراجع سياساته الاقتصادية .. حتى يستفيد الجميع مما يقال أنه نموا سنويا فى الناتج المحلى الاجمالى للدولة .. فيسقط "هذا النمو" فى "حجر الناس" .. وكأنهم يجمعون البلح من فوق النخيل .. بدلا من أن يستحوذ رجال المال وحدهم على "سباطة البلح بالكامل" .. اللهم فيما سقط من حبات على الارض.

إنها الفرصة الاخيرة للحزب ليمهد الارض لانتخابات تشريعية قادمة تبدأ بانتخابات مجلس الشورى وتنتهى بانتخابات مجلس الشعب العام القادم 2010 .. وانتخابات رئاسية تالية عام 2011 .. فى ظل دستور مهلهل يحتاج الى التغيير بالكامل .. بعد أن فشلت كل عمليات الترقيع فى جعله دستورا متماسكا معبرا عن الواقع ودافعا لمستقبل أفضل .. ونظام اجتماعى يزيد من حدة الفوارق بين الطبقات.

يواجه الحزب مطالب كبرى وتشريعات معلقة لا يجوز مواجهة أى انتخابات بدونها لأنها كانت ضمن البرنامج الانتخابى للرئيس مثل الغاء قانون الطوارئ واستبداله بقانون الارهاب .. واصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية "يضع النقاط فوق الحروف" فى نظام الانتخابات سواء بالنظام الفردى الحالى .. أو بنظام القائمة .. أو حتى مزيجا بينهما .. واستصدار قانون جديد للحكم المحلى خاصة أن الحزب الوطنى يتوجه فى مؤتمره القادم الى دعم اللامركزية الى أصغر المستويات.

ويعد بقاء تلك الأمور معلقة .. أحد أهم الاسباب التى دفعت مجموعة من حكماء السياسة يتصدرهم الكاتب الصحفى الاشهر فى تاريخ مصر محمد حسنين هيكل، الى طرح مبادرات ترفض قيادة الحزب الوطنى لعملية الاعداد للانتخابات القادمة .. وتقترح اسنادها الى مجموعة من الشخصيات "النظيفة" لتتولى الاعداد التشريعى لما هو قادم .. وهى الاقتراحات التى يمثل رفض الحزب لها على لسان عدد من قياداته، نوعا من التحدى الكبير والجزم بقدرة الحزب على اتمام ما هو معلق، فى موعد لا يعلم ساعته الا الله، الى جانب ضرورة تعديل المادتين 76 و77 من الدستور المنظمتان لانتخاب رئيس الجمهورية ومدة بقائه فى الحكم، اللتان يرجح أن يقدما للتعديل خلال العام القادم على أقصى تقدير، بعد أن تعرضت الأولى للتشويه المتعمد حتى أصبحت من أطول المواد الدستورية فى التاريخ البشرى (أكثر من 600 كلمة) تضم أحكاما دستورية ونصوصا قانونية ولوائح، والمادة 77 التى أصبحت لا تتناسب مع الوضع الجديد (انتخاب الرئيس) لأنها مازالت تتحدث عن الاستفتاء وليس عن الانتخابات.

فالحزب سيركز فى مؤتمره القادم كما هو معلن على القضايا ذات البعد الخدمى والاجتماعى ومكافحة الفقر وملفات التعليم والصحة والثقافة والبنية التحتية وقضايا النشاط الزراعى، و قضية عدالة توزيع عوائد النمو، بحيث يتم توزيع عوائد النمو على الفئات المتوسطة والفقيرة والأكثر فقرا، "سيتحدث" الحزب عن تلك القضايا وستتمحور بعض جلسات اللجان التابعة لأمانة السياسات حول الفقر والقرى الاكثر فقرا وقضايا الاسكان والتسكين .. وحول دقة استهداف المستحقين الفعليين للانفاق الاجتماعى "الدعم"، بينما يترقب الجميع "كلمة الرئيس مبارك" فى افتتاح المؤتمر السادس لتحديد الموقف من عمليات الاصلاح السياسى والتشريعى.

ومع اقتراب الانتخابات التشريعية .. لن يقبل المرشحون على قوائم الحزب الوطنى الديمقراطى بقاء الوضع كما هو عليه .. فالفقر المستمر لا تكفيه رشاوى تسد الرمق لايام .. والوعود التى أطلقها الحزب باتت واجة التنفيذ فى كافة القطاعات .. فالتعليم يسوء شكلا وموضوعا وتصيبه لعنة انفلوانزا الخنازير .. والفساد مازال يلاحق أرزاق الناس فى كل مكان .. ومستشفيات الدولة تعانى من نفس الاهمال المزمن .. والبطالة ساكنة فى كل بيت .. والاجور تتقزم امام تغول الاسعار الذى لم يفلح معه هبوط الدولار ولا أزمة العالم أجمع .. والأمن فى الشارع تحكمه قواعد الفقر والبلطجة والعشوائية وانهيار الاخلاق الا فيما ندر .. وتنمية الصعيد تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين .. حتى مشروع ابنى بيتك مطارد من البلطجية والسماسرة ولا يجد من يحميه.

لا يملك الحزب الوطنى فرصة أخرى لاصلاح ما يحتاج الى اصلاح ان أراد اتمام عملية انتخابية شبه ديمقراطية حتى ولو فى شكلها فقط، والا سيضطر الى اغلاق الللجان مرة أخرى فى وجه الناخبين، واطلاق الرصاص المطاطى عليهم لمنعهم من التصويت للإخوان والمعارضة، فالجماعة التى تراها الدولة محظورة لا يمكن الارتكان الى انها باتت ضعيفة تنهشها الخلافات وتمزقها صراعات مكتب الارشاد، فتلك نقرة والانتخابات نقرة أخرى، والتيار الأقوى فيها هو تيار الصقور المحافظين الذين لا يقبلون الهزيمة، والا لكان الاخوان ذكرى من سراب، وفلول باقية من الضربات الأمنية المتلاحقة منذ فجر الجمهورية المصرية.

أما المعارضة ورغم عدم جديتها فى استيراد اسما لامعا لطرحه فى مواجهة مرشح الحزب الحاكم - الذى أعتقد أنه لن يكون شخصا غير الرئيس مبارك نفسه وليس نجله جمال – الا أنها تستعد من الأن للقيام "بأى حركة" تحفظ ماء وجهها، لتقول أن لديها كوادر وأسماء تصلح للطرح فى انتخابات الرئاسة، والتنافس على حضور ما الى جانب الاخوان فى الانتخابات التشريعية القادمة، رغم أنها لن تجرى باشراف قضائى كامل، مما يهدد بمزيد من التجاوزات والبلطجة والدماء.

لذلك قد لا يملك الحزب الوطنى رفاهية ابقاء الوضع على ما هو عليه حتى أكتوبر القادم 2010، والتحرك بعد ذلك لأن الوضع لا يحتمل مزيد من الركود .. ولا المفاجآت أيضا.

حسن الزوام

نشرت بجريدة الميدان فى 28 أكتوبر 2009

الجمعة، ١٦ أكتوبر ٢٠٠٩

كفاءة "الامام الاكبر"



لا يمل مجتمعنا المصرى من استدعاء أزماته، وتكرار مشاهده، ونسخ مواقفه بالكربون، دون أن يصل الى حل، او يحسم جدلا، أو يقضى على خلاف فى وجهات النظر، بما لا يفسد للود قضية .. فخلاف وجهات النظر الذى يفسد كل الود .. منتشر بين مثقفينا وبسطائنا .. أثراءنا وفقراءنا .. حكومتنا وتابعيها .. ومعارضتنا وفلولها .. شيوخنا وفقهاءنا.

لذلك يبدو المشهد الحالى فى "خلاف" فضيلة الامام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى ونواب جماعة الاخوان المسلمين فى مجلس الشعب، بسبب واقعة نزع النقاب عن طالبة بأحد المعاهد الأزهرية توبيخها والاستهزاء بها وبأهلها، مجرد مشهد هزلى مكرر وممل، لأن هذا الاشتباك الذى وصل الى حد مطالبة الاخوان بعزل الامام الأكبر من منصبه وهو رجل لا يعزل، ليس الأول من نوعه الذى يصطاد فيه نواب الجماعة فضيلة الأمام الاكبر فى تصرفاته وتصريحاته ولفتاته وهمساته، حتى كاد الامام ينافس وزير الثقافة الفنان فاروق حسن على لقب "الصيد الثمين لنواب الاخوان المسلمين" فى مطلع كل دورة برلمانية .. ولا يبدو أنه سيكون الاخير .. حتى وصل الى فروع الجماعة الدولية فى الاردن والكويت التى استنكرت فعلة شيخ الازهر، وطالبته بألا يضم فتواه هذه إلى رزمة الفتاوى السابقة"، وخاصة فتواه الشهيرة التي لا تعتبر منفذي العمليات الانتحارية ضد إسرائيل "شهداء".

فبين شيخ الازهر والاخوان ميراث طويل من فقدان الثقة يمر بعدد من القضايا مثل قضية الختان، التى رفض نواب الكتلة الاخوانية تجريمه قانونا، فى الوقت الذى أفتى فيه شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى، بتحريمه، ولجأوا الى فتوى شيخ الأزهر الأسبق الدكتور جاد الحق على جاد الذى أفتى بأن الختان من شعائر الإسلام وخصائصه، ةبالطبع فتوى مفتى الجماعة الشيخ محمد عبد الله الخطيب الذى أيد الختان بدعوى أنهه أنه يصون عفافها ويحافظ على شرفها.

الموقف نفسه تكرر فى فتوى الأمام الأكبر التى ُتجيز فوائد البنوك بينما يعتبرها الاخوان "ربا"، وواقعة التماس الدكتور طنطاوى الحق لفرنسا في تبني القانون المثير للجدل الذى يمنع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية باعتباره شأنًا داخليا، وتصريحه بعد اللقاء الذي جرى بينه وبين سفير الدانمارك في القاهرة لاعتذار السفير عن أي عمل أو تعبير يشوه صورة الأديان، والتى قال فيه أن الرسول الكريم محمد "ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه".

فى قضية الربا .. استدعى نواب الاخوان تضاربا فى الفتوى بخصوص فوائد البنوك .. بين فتواه وهو مفتيا للبلاد .. وفتواه وهو إماما أكبر .. وفى قضية منع الحجاب فى المدارس – باعتباره رمزا دينيا – طالبه الاخوان بأن يوضح للفرنسيين من منصبه أن الحجاب ليس رمزا دينيا .. ولكنه فرضا فى الاسلام .. وفى تصريحاته بعد أزمة الرسوم المسيئة للرسول .. اعتبروا أن كان متخاذلا وضعيفا فى مواجهة سفير الدولة التى خرجت من صحافتها أول إساءة للرسول الكريم.

كل هذه المواقف شهدت المعركة ذاتها والضجة الاعلامية نفسها، حتى أن نواب الاخوان ذهبوا الى أن فتاوى شيخ الأزهر وآراءَه لا تمثل إلا شخصه، متهمين الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء المصرى بتعطيل اجتماعات مجمع البحوث الاسلامية الذي يضم 50 عضوًا بينهم 20 من غير المصريين، ومنح الحرية الكاملة لشيخ الأزهر ليقول ما يريد، وتهميش دور المجمع بسبب فتاوى سابق لعلمائه حرمت فوائد البنوك التجارية لأنها "ربا".

وطالب الاخوان حينها بتفعيل نص قانون 103 لسنة 1961م الخاص بتطوير الأزهر، الذى يقضى بألا تعتمد أي فتوى صادرة باسم المجمع إلا بحضور ربع هؤلاء الأعضاء بنص قانون 103، وهو ما يخضع شيخ الأزهر للتقويم والمراقبة طالما ان شيخ الأزهر – كمنصب - لا يقال ولا يحال إلى المعاش بعد اختياره .. وأنه يبقى فى منصبه مدى الحياة، وفى ظل حماية القانون له من المساءلة والاستجواب داخل مجلس الشعب، الا فى شخص رئيس الوزراء بوصفه وزير شئون الأزهر.

طالب الاخوان شيخ الازهر بالاستقالة .. وتحدثوا عن أنه "لا يمكن ان يبقى فى منصبه، لأنه يسئ الى الازهر في كل مرة يتكلم فيها"، وهم متأكدون من أنه لن يستقيل ولن يقال .. وبالرغم من اقرارهم ضمنا فى تصريحات لنواب الجماعة، بأن النقاب ليس فرضا على المرأة المسلمة وانما "فضيلة"، وتمسكوا بنقد تصرفه وليس فتواه هذه المرة، واستخدامه العنف اللفظى فى حق الطالبة، واصداره قرار بحظر دخول المنقاب بالمعاهد الأزهرية، وهو القرار الذى حاول الشيخ تلطيفه فى أعقاب الثورة الاخوانية بالحديث عن "عدم التعسف" فى تنفيذه.

لم يترك نواب الجماعة صغيرة ولا كبيرة للأمام الاكبر، وفتحوا عليه النار بعد جلوسه على مائدة واحدة مع الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز فى مؤتمر لحوار الأديان عقد بكازاخستان، والتهكم على محاولة الدكتور طنطاوى التبرأ من مصافحة بيريز بقوله "إنه لم ير وجه بيريز ولم يكن يعلم أنه موجود" .. تهكم لم يخلو من عنف فى تقدير الفعل الازهرى واعتباره إهانة للشعب المصري والعربي، و"إهانة لكرسى المشيحة نفسه"، مطالبين الامام الأكبر بالصمت وتعيين متحدث إعلامى بالمشيحة.

لكن الأمام لن يصمت .. ومعاركه مع الاخوان لن تتوقف ..

يدرك نواب الجماعة أنفسهم هذا الامر .. رغم أنهم حسموا قضية كفاءة الإمام الأكبر منذ زمن طويل .. ونجحوا فى بث عدم الثقة فى أكبر مرجعية دينية – أو هكذا يجب أن يكون - للمسلمين السنة فى مصر والعالم الاسلامى .. حتى وصلنا الى محطة الدكتور حمدى حسن أمين الإعلام بالكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين الذى قال فى أزمة النقاب الأخيرة عن الامام الأكبر "في كل خطوة يخطوها وكل تصريح يصرحه يتسبب في أزمة وإهانة للمؤسسة التي ينتمي إليها ونفخر بها وبتاريخها".

نعم حسم الاخوان قضية كفاءة الامام وأهليته للتصدى للفتوى .. وقالوا أنه مجرد موظف يدير شؤون مؤسسة الازهر .. وطالبوا بوقفه عن الافتاء والحديث والحركة.

ولكن بعيدا عن الامام ونواب الجماعة ..

هل حسم مجتمعنا قضية الفوائد البنكية فى البنوك التجارية .. الاجابة هى .. لا

هل حسم مجتمعنا قضية الختان .. رغم تجريم الفعل والفاعل .. الاجابة هى .. لا

هل حسم مجتمعنا قضية شرعية النقاب فى تلك الضجة المثارة .. الاجابة هى .. لا

هل حسم مجتمعنا قضية نقل الأعضاء البشرية والتبرع بها .. الأجابة هى .. لا

الاجابة بالنفى لأننا .. مختلفون فى ايماننا ومرجعيتنا وثقافتنا وغاياتنا وواقعنا .. مشتتون .. لا نثق فى فقيه .. ولا نتوحد خلف زعامة .. ولا نملك قدوة.

أيتام على موائد الأقزام .. نعيش فى فراغ .. وفى الفراغ يشتد رجع الصدى .. أصوات عالية وعابرة تمر مر الكرام .. تصم الأذان .. ثم لا تترك أثرا .. ولا تحسم جدلا.

ولا أحد فى الصورة غير الاخوان .. يلعبون بمفردهم على وتر حماية الأمة .. وحفظ مواردها وأخلاقها وتشريعاتها .. ويحاولون استغلال كل شاردة وواردة .. فالدورة البرلمانية الأخيرة على الابواب .. وهى دورة استعراض العضلات .. والدعاية الانتخابية استعدادا لجولة 2011.

وما أداراك ما هى انتخابات 2011 .. انها الانتخابات التى قد تشهد تغييرات جذرية فى الحكم من قاعدته الى القمة .. فى غياب حصانة الاشراف القضائيى الكامل .. وحظر العمل السياسى على أساس دينى .. انها الانتخابات التى لن يصلح معها شعار الاسلام هو الحل .. فمثله يفتح الطريق الى معتقلات طرة وأبو زعبل وغيرها المنتشرة فى ربوع الوطن.

انها لعبة القط والفأر .. بين سلطة لا تخاف أحد .. وجماعة لا تتوانى عن الزج برجالها داخل السجون بلا توقف ولا هوادة .. وكأنها ترسلهم الى رحلة نيلية.

لعبة يصبح النظر معها فى قضية كفاءة الامام .. حلقة فى سلسلة .. ووسيلة قبل أن تكون غاية.

حسن الزوام

نشرت بجريدة الميدان بتاريخ الاربعاء 14 أكتوبر 2009

 
خد عندك © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates