• أمام ثورتنا .. أسئلة كبيرة .. لا تقف عند السلفيين وضرباتهم .. ومصير المسلمات الجدد .. وملاعيب الإخوان .. ومناورات الثورة المضادة .. وتوهان القوى السياسية .. ولخبطة أولى الأمر .. وأهم سؤال هو مصير هذا الوطن .. مصير مصر بعد 25 يناير الثورة
  • لست ضد النوايا الطيبة للشيخ حسان وتابعه الشيخ صفوت حجازى وجولاتهما المكوكية فى ربوع مصر لحل ما استعصى على الدولة وما صعب على الحكومة وما فشل فيه أولى الأمر، لكن الدولة دولة قانون
  • أعرف جيدا .. أننى حزين الأن .. لإقتران لقب "أبو العيش" بأمور فساد مالى وإدارى .. بعد أن كانت مثالا للإقتصاد الرحيم .. والتنمية التى لا تنقطع .. ونشر الثقافة .. والتوعية بقضايا البيئة .. والأعمال الخيرية .. وأتمنى من الله .. أن تزول تلك الغمة بظهور الحق وبيان الحقيقة التى لا يحتكرها أحد الان
  • وبين الأب الذى "لم يكن ينتوى" .. والإبن الذى "كان ينوى" .. كانت هناك شهورا قليلة فاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية نفسها .. ولكن أيا منهما لم يكن قد أعلن عن تلك النوايا وكأن مصر ستظل أسيرة نواياهما
  • بينما أولئك المُصنفون "فرز تانى وتالت ورابع" من لصوص ومنافقين.. يحاولون تبديل وجوههم وتغيير مبادئهم وسلخ جلودهم القديمة كالثعابين والأفاعى

الجمعة، ٢٣ يوليو ١٩٩٩

الخطايا العشر .. بين ناصر .. والامريكان


على مدى خمسة عشر عاما، بقيت فيها ثورة يوليو متماسكة وقوية (1952 1967)، مرت علاقة الثورة والثوار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر بالولايات المتحدة الامريكية بمنحنيات شديدة التعقيد صعودا وهبوطا، بدأت بدعم البيت الابيض للثورة، وانتهت بانحياز امريكى شامل لاسرائيل ضد العرب جميعا ومصر بالتحديد وعلى رأسها ناصر، فكيف تحولت امريكا من دولة لا تورد اسلحة الى اسرائيل حتى بداية الستينات، الى اكبر مورد للاسلحة الى تل ابيب، وحامى حماها فى الارض والجو ودرعها القوى داخل الامم المتحدة.
البداية المشجعة للعلاقات الامريكية بالثورة تمثلت فى ابداء حسن النية من الطرفين تجاه الاخر، فجمال عبد الناصر حاول من جانبه اقامة صداقة مع الامريكان عقب قيام الثورة مباشرة، وقام بابلاغ الموقف للسفارة الامريكية التى كان لها صلة ما بضباط الاحرار قبل الثورة، وارسل على صبرى قائد الاسراب للسفارة الامريكية لطمأنتهم على ارواحهم ومصالحهم، تحييد الجانب الامريكى حتى لا يكون عائق فى وجههم، فى المقابل لم يقف الرئيس الامريكى "ترومان" موقفا حياديا من الثورة فقط،بل ساندها، معلنا ان امريكا لن تؤيد تدخلا اجنبيا فى مصر لانقاذ الملكية.
ومع هذه النوايا الطيبة والبدايات المبشرة ترى ما الذى وصل بالعلاقة بين الطرفين الى حد الازمة، او لو شأنا الحديث بشكل اكثر دقة ما هى الخطايا العشر التى ارتكبها الجانبين، الى ان اصبحت امريكا هى العدو الاكبر لمصر بعد اسرائيل، واصبح الخلاص من جمال عبد الناصر هو الهاجس الاول لكل من سكن البيت الابيض.
1-   كانت بادرة الخطأ من الجانب الامريكى، واول اسباب عدم الثقة بين الجانبين، حتى قبل قيام الثورة، وتمثلت فى اعتراف "ترومان" المباشر بإسرائيل فور اعلان الدولة العبرية 1948، فوق التراب الفلسطينى العربى المحتل مما اثار شكوك العرب تجاهها.
2-    اتجاه الاعلان الامريكى للنهوض بمصر فقط فى اطار الحرب الباردة بين امريكا والاتحاد السوفيتى الذى كان، فلم تخلص النوايا الصادقة تجاه القاهرة، الا لابعاد موسكو عنها وهو ما بدا من محاولة امريكا للضغط على عبد الناصر، لقبول انضمام مصر والدول العربية لحلف فى الشرق الاوسط "حلف بغداد " لمواجهة الاتحاد السوفييتى العدو الجديد للغرب اثناء الحرب الباردة، لكن عبد الناصر كان يرفض مبدأ التحالف مع الغرب او اتفاقيات الدفاع باى شكل، لانه سيكون نوعا جديدا من الاستعمار، وبالتالى فقد خلق "حلف بغداد" شعورا سيئا لديه ازاء امريكا، عندما احس بمحاولاتها للتفرقة بين العرب من اجل السيطرة عليهم.
3-    على الجانب الاخر كان رفض عبد الناصر للسياسة الامريكية فى المنطقة غير مشفوعا بمرونة تفاوضية لا يفسد الخلاف فيه للود قضية،وخشى جمال على مصداقيته كزعيم وطني اذا قبل الانضمام للحلف، فكان الرد الامريكى سريعا برفض واشنطن امداد مصر بالسلاح، بعدما طلب رئيس الوزراء البريطانى تشرشل ذلك من ترومان، حيث كانت القوات البريطانية لا تزال موجودة بمنطقة القناة.
4-   ربطت واشنطن بين المساعدات بابرام مصر سلاما مع اسرائيل ورفضت امريكا تزويد مصر بالسلاح، ولم تعطى لعبد الناصر فرصة من الوقت يدرس فيها خريطة النظام العالمى، وموقعه منها، ومدى قبول الشعب العربى لذلك، فكان تقدير عبد الناصر ان اسرائيل ستظل حائلا امام تحسين العلاقات مع امريكا.
5-   اجبرت السياسة الامريكية، وغياب التفاوض والحوار من الجانب المصرى، عبد الناصر الى الاتجاه الى الاتحاد السوفيتى للحصول على السلاح فى اعقاب الهجوم الاسرائيلى على غزة فى مايو 1955، كما لم تتجاوب واشنطن مع تلميحات عبد الناصر بميله للتسليح من الغرب، ليخطأ وزير الخارجية الامريكى "دالاس" بتجاهل تلك التلميحات،فيتجه ناصر متسرعا الى الاتحاد السوفييتى بكل ما اوتى من قوة دفع صنعها بحشد الجماهير العربية ورائه، وصعب على نفسه التراجع، بعدما حاول الامريكان تدارك الامر ووعدوا بتزويد مصر بالسلاح فى حالة قيام مصر بالغاء صفقة الاسلحة "الشيوعية".
6-   اخطأ البيت الابيض خطأ تاريخى برفضه مساعدة مصر فى بناء السد العالى، رغم قبول عبد الناصر لكل الشروط الامريكية، الا ان ردها جاء مهينا للقاهرة حين اعلن دالاس ان اقتصاد مصر لا يستطيع تحمل مثل هذا المشروع ليشعر عبد الناصر بالاهانة الشديدة، ويقرر تأميم قناة السويس، حتى ان نيكسون عندما زار مصر فى 1963 مبعوثا للرئيس الامريكى كيندى، ورأى حجم العمل فى السد العالى، قال لعبد الناصر "لقد رايت اليوم افدح خطا ارتكبته امريكا، فقد اعتصر الالم قلبى عندما رأيت السوفييت يعملون جنبا الى جنب معكم فوق موقع السد العالي، فلولا دالاس لكان هناك امريكيون بدلا من السوفييت".
7-    فى المقابل لم يستثمر جمال عبد الناصر الدور الامريكى فى اجهاض العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 الذى كان بمثابة شهادة وفاة للامبراطورية البريطانية، وانشغل بمعارضته والتى كان على حق فيها- لمشروع أيزنهاور الذى كان يهدف الى عزل مصر، وتحقيق اهداف العدوان الثلاثى بصورة سلمية، دون ان يبدى اية مرونة سياسية، او جعل الخلاف فى حدوده الضيقة.
8-   لم يستغل عبد الناصر فترة الصداقة والدفء فى العلاقات المصرية الأمريكية فى عهد ادارة كيندى التى قامت على الاحترام والتقدير المتبادل، وبعد ان تأكدت واشنطن ان عبد الناصر ضد انتشار الشيوعية فى البلاد العربية، وكان الدعم المصرى للثورة اليمنية احد هذه الاسباب، رغم اعتراف امريكا بحكومة الثورة التى كان تحظى بالدعم المصرى، ورفض جمال دعوات كيندى بالانسحاب من اليمن على اساس ان السعوديين يواصلون دعمهم للملكيين، حتى بدأ يشعر ان امريكا تهدف لان يستمر التورط المصرى فى اليمن لمصلحة اسرائيل، فلماذا كان التدخل منذ البداية ؟.
9-   بعد وفاة كيندى، بادر عبد الناصر باعلان عدائه لجونسون، وهو الامر الذى كان من اهم اسباب نكسة 1967، حيث ازدادت المشاكل تعقيدا مثل مشكلة اليمن والكونغو ومفاوضات القمح، ووقع حادث احراق المكتبة الامريكية يوم عيد الشكر الامريكى على يد الطلبة الكنغوليين فى القاهرة، ثم اسقطت مصر طائرة مدنية، كان يملكها صديق شخصى لجونسون، وكانت فى رحلة من ليبيا للاردن وتعطل جهازها اللاسلكى فلم تستجب لانذارات طائرة "ميج" مصرية ارسلت لاعتراضها، وعندما رفضت واشنطن امداد مصر بالقمح بسبب ما ردده مسئول امريكى قائلا "نحن لاننا لا نستسيغ سلوككم"، جاء الرد من جمال عبد الناصر قاسيا وخاليا من اى دبلوماسية حين قال جملته الشهيرة "فليشرب الامريكان من البحر، واذا لم يكفهم البحر الابيض لارواء غليلهم فليشربوا البحر الاحمر ... ولسنا مستعدين لمناقشة سلوكنا مع احد ايا كان، وسنقطع لسان من يتقول علينا ... لن نقبل اسلوب قطع الطريق من قبل رعاة البقر"، وكانت تلك العبارة المهينة موجهة الى جونسون شخصيا وفى خطاب علنى، بحكم قدومه من ولاية تكساس المشهورة برعاة البقر، كما رفض عبد الناصر ان يزور جونسون فى 1966، وحتى حين وافق على ارسال السادات ليقابل جونسون فى محاولة لتحسين العلاقات المتدهورة بين البلدين، لم يقابل عرض جونسون بتغليب الدبلوماسية الهادئة والتوقف عن الهجوم العلنى والتجريح الشخصي، واحتواء الخلافات بهدوء، معتمدا على قدرته بتعبئة الجماهير خلفه معنويا فى اوقات الازمات، ورفض رد المجاملة التى ابداها جونسون واسرته حين استقبلوا  منى عبد الناصر وزوجها فى امريكا، والرد على الرسالة التى حملها لها، "بانه يريد ان يصبح صديقا لوالدها".
10-          بدأ جونسون فى اعقاب فشل محاولاته للمهادنة مع عبد الناصر  بتزويد اسرائيل بالاسلحة المتقدمة، وقام بخفض امد اتفاق تزويد مصر بشحنات القمح من سنة لستة اشهر لثلاثة اشهر، بعد ان تسرع باصدار حكم باسقاط عبد الناصر ونظامه، وفى 1967 وفى مقابل ان تقوم اسرائيل باسقاط نظام عبد الناصر، تعهدت امريكا ان تحافظ على تفوق اسرائيل عسكريا على الدول العربية مجتمعة، كما وعد الامريكان اسرائيل بأنه فى حالة نشوب حرب لن تقوم امريكا بالضغط على اسرائيل للانسحاب من الاراضى العربية التى تحتلها اثناء القتال مثلما فعل أيزنهاور فى 1956، بل وان امريكا لن تسمح حتى بتوجيه اللوم الى اسرائيل فى الامم المتحدة، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تستخدم امريكا الفيتو ضد اى قرار من مجلس الامن ضد اسرائيل او يدينها، ولعبت امريكا دورا هاما فى خداع عبد الناصر قبل الحرب مباشرة، وعقب النكسة اتهم عبد الناصر جونسون بالتواطؤ مع اسرائيل فى عدوانها، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع امريكا وامر بترحيل جميع الامريكيين عن مصر..
تلك كانت ابرز محطات العلاقة بين الثورة ممثلة فى جمال، والبيت البيض على اختلاف ساكنيه لتبقى فى النهاية عدة حقائق، ابرزها ان الشك والتسرع كانا اساس تلك العلاقة، وان الحوار الدبلوماسى غاب عن عبد الناصر كما غابت النوايا الحسنة عن معظم ساسة امريكا، ممن سلموا ذقونهم الى اللوبى الصهيونى بدأ من ترومان الذى اعترف بهم بسبب اصواتهم الانتخابية، نهاية الى جونسون الذى اوكل اليهم مهمة الاطاحة بالثورة المصرية وقائدها، فى اقذر عملية توكيل سياسى فى التاريخ.
 
خد عندك © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates