حتى الأن .. لا أفهم الموقف الرسمي للدولة من الاحداث التى أعقبت المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر فى مدينة ام درمان السودانية.. فما حدث بين الدول الثلاث انطوى بقدر كبير عى اهانة للمصريين ورمزهم الذى هو علم الدولة المصرية .. من ميليشيات منظمة ضمت خليطا من المجرمين والمسجلين خطر وربما مجندين جزائريين، أكد الاعلام الرسمى والخاص فى مصر أنها مدفوعة من جانب الحكومة الجزائرية التى تعمدت نقلهم الى السودان فى طائرات تابعة للقوات الجوية الجزائرية وشهدت تنظيما بدا واضحا وبشدة من التواجد الكثيف للمشجعين الجزائريين فى شوارع أم درمان والخرطوم بغرض الاعتداء على المشجعين المصريين، بخلاف المتواجدين فى المدرجات لتشجيع الفريق وترويع المنافس وجماهيره.
فبداية ظهور الموقف الرسمى الذى تجسدت فى مكالمة علاء مبارك نجل الرئيس للفضائيات المصرية وهجومه على الجزائر .. لم ينتهى بالحملة الاعلامية الهجومية الواسعة للقنوات والصحف المصرية ولا بأمواج المقاطعة التى قادتها نقابات فنية وشركات واتحادات رياضية .. ولكنها استمرت حتى بلغت قمة النظام الرسمى من خلال فقرة فى خطاب الرئيس مبارك فى الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية الأخيرة لمجلسي الشعب والشورى، والتى شددت فى كلمات واضحة على رفض مصر اهانة أولادها فى أى مكان، وان تجاهلت ذكر اسم الجزائر بشكل مباشر.
وما يحيرنى .. أنه اذا كانت الدولة المصرية تهدف من وراء تلك التعبئة الاعلامية والرسمية مجرد "قرصة ودن" للجزائريين تعود بعدها الأمور الى ما كانت عليه قبل 18 نوفمبر .. فإن ما يحدث على الأرض لا يشير الى ذلك .. بل يتعداه بكثير .. فما يدور بين القاهرة والجزائر .. ليس عضا متبادلا على الأصابع .. ولكنه قطعا لها .. لقد وصل الأمر الى أن ترويع المصريين فى الجزائر أصبح ممارسة يومية للمواطنين هناك .. وحتى بلغ الأمر حدا علق فيه أحد المصريين لافتة على باب متجره بضاحية المهندسين تقول "ممنوع دخول الكلاب والخنازير والجزائريين".
وبالتالى فإن زمن اللوم والعتاب قد تم تجاوزه بكثير عبر أفعال متبادلة من الجانبين وتصريحات بلغت المستوى الرئاسي فى البلدين .. وصارت العودة مستحيلة.
أما اذا كانت الدولة المصرية تخطط لقطع العلاقات بشكل كامل مع الجزائر وسحب التمثيل الدبلوماسي وتصفية الاستثمارات واجلاء الرعايا .. فهذا أمرا أخر .. يفترض أن نكون قد درسنا أبعاده بالكامل .. وتدابير مواجهة تداعياته على كافة الأصعدة .. وحددنا سقفا زمنيا لتنفيذه على أن يكون سريعا ودقيقا وبأقل الخسائر الممكنة .. حتى لا يستنزف جهدنا أكثر من ذلك .. ولكى نلتفت الى أمور أخرى هى حياتنا اليومية وقضايا الأكثر أهمية.
ما نراه فى الوقت الحاضر لا يحدد وجهة القرار الفاصل .. ويحير الناس .. ويشحن طاقاتهم .. ويثير غضبهم من الروتين اليومى المتبادل بيننا وبين الجزائريين، الذى يتضمن كل أنواع الاهانة والاذلال الى أبعد حدود المسخرة .. ليبقى السؤال الأبرز عنوانه "الخطوة القادمة" .. وغالبا الأخيرة.
نشرت بجريدة الميدان بتاريخ 25 نوفمبر 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق