بغض النظر عن النتيجة المرتقبة لمباراتنا الفاصلة مع المنتخب الجزائرى فى السودان والتى ستحدد من الفريق الذى سيتأهل الى كأس العالم، تركت حالة الاحتقان الشديد فى العلاقات المصرية الجزائرية غصة فى الحلق وحالة من القرف لما تؤول اليه علاقاتنا العربية – العربية، التى يفترض أنها تملك كل مبررات القوة من وحدة الدين والثقافة واللغة والمصالح والأعداء أحيانا.
ما حدث فى الجزائر من اعتداءات على المصالح والشركات وتهديد حياة الجالية المصرية هناك .. كان مخجلا وقاسيا ومؤلما .. ويحمل عنفا غير مبرر .. عنفا صنعته ثورة الميديا والمعلومات فى الأساس .. عندما تبارت الصحف الجزائرية فى اختراع أخبار ليس لها أساس من الصحة .. ونقلتها عنهم الصحف ومواقع الانترنت المصرية فى ذات اللحظة .. لتعيد نشرها وتشعل لهيب الغيرة والفتنة .. قبل أن تتبارى بعض الفضائيات والصحف فى الرد على الصفعة بصفعة .. والركلة بركلة .. والقبضة بالقبضة .. وكأننا فى خضم حرب على تحرير الأرض والعرض.
استغل الشباب المصري والجزائرى كل شئ فى لعبة العض على الاصابع .. جزائرى ينشر لقطات فيديو لحرق العلم المصري .. فيرد عليه مصرى بالمثل .. أحدهم يستخدم لقطات تظهر الزعيم النازى هتلر يتحدث عن المباراة بلسان جزائرى .. فيرد أخر بتحويل لقطات لاقتحام القوات الأمريكية لسواحل قيتنام بلسان مصرى .. فوضى غير محدودة صنعتها ثورة الاتصالات التى اخترعها العالم المتقدم لتكون أداة لحرية التعبير .. فتصبح أداة لحرية التدمير.
لقد تمادى الاعلاميون كل فى طعن الأخر .. حتى تحولت المباراة هنا فى القاهرة الى موقعة حربية .. سبقتها معركة الاوتوبيس الجزائرى والطوبة التى استقبلته والتى حولها الجزائريون الى فيلم هابط بلا أبطال .. ورسم سيناريو أحداث المباراة والهدف المصري فى اللحظة الاخيرة .. مشاهد صاخبة فى عنفها .. فكانت النتيجة أكاذيب يروجها الخاسرون .. وشماتة يظهرها المنتصر .. حتى جاءت الطامة الكبرى بشائعة نشرها شاب جزارى على موقع اليوتيوب حول مقتل 4 مشجعين جزائريين فى القاهرة .. مستشهدا بلقطات مزعومة صورت على كاميرا موبايله ولم يراها أحد .. وانتقل الخبر بضغطة زر للصحف هناك التى لم تتحقق ونشرت الخبر الكاذب .. فإنفجر الغضب الجزائرى فى وجه كل مصرى فى الجزائر وكان المشهد الحزين.
لقد أثبت العرب – كل العرب – أننا نتعامل مع ثورة المعرفة والاتصالات والمعلومات بأسوأ صورها .. وبمنطق المثل المصرى الحكيم "هبلة ومسكوها طبلة" .. فكانت النتيجة ضجيج بلا معنى ولا مبرر ولا يتناغم مع حقيقة أنها مبارة كرة قدم .. فيها ولابد فائز واحد وخاسر واحد .. ولا صلة لها بالسياسة ولا علاقات البشر .. لكن "الهبلة" لم تفهم .. فخرج القطار عن طريقه وانحرف ليجرف كل ما أمامه .. والنتيجة قطيعة مرتقبة .. وعلاقات متوترة مع دولة عربية مسلمة من تلك الدول التى نسميها الشقيقة.
لقد تمادى الجزائريون فوق الحد .. ولم تمنحنا ريادتنا القدرة على السيطرة والهدوء ولم الشمل .. فإنجرفنا الى مستنقع عفن من العلاقات الانسانية .. والخوف كل الخوف من هذا المستنقع الذى قد نواصل الغرق فى وحله بعد مباراة الخرطوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق