كعادتنا .. انتفض الاعلام المصري جرايد وفضائيات وفقا لنظرية "الهيصة" بعد تكشف مجزرة أطفال الشوارع التى أرتكبها مجموعة منهم تجاوزوا مرحلة الأطفال الى الى مرحلة الاجرام بطبيعة الحال.
وللحقق فقد "هاص" الاعلام بهذا الحدث، وفردت له الصحف والمجلات صفحاتها وتصدرت الأغلفة صورة "التوربينى" زعيم عصابة القتلة والمغتصبين، وتحدث المتحدثون ونفخ الغاضبون "عروقهم" أمام الكاميرات، ثم انتهت المشكلة "اعلاميا" باعلان الحكم على التوربينى وصحبه بالاعدام أو السجن، وإنصرف الجميع الى "مهيصة" أخرى وما أكثر، وما أكثر "المهايص" فى حياتنا.
أما المشكلة الحقيقية وهى اطفال الشوارع مشاريع القتلة والضحايا الذين يمشون على قدمين فقد تركوا لمصيرهم كما هم يأكلون بعضهم البعض، وأدعوا أى مسئول أمنى أو حكومى أو من قيادات المجلس القومى للامومة والطفولة او حتى المجلس المحلى ممن شاركوا فى اجواء الهيصة إلى "تمشية رجليه" حتى ميدان لبنان أو شارع جامعة الدول العربية أو وسط القاهرة أو على طول سور مترو الانفاق أو حتى فى طنطا التى كانت مركز تجمع أطفال الشوارع .. تمام كما فى عواصم المحافظات .. كل المحافظات بلا استثناء، وهناك سيجدوا توربينى يفرض سطوته وأطفال تأكلهم الارض وتلتهم أعضاؤهم.
"هاص" الاعلام على سراديب الموت التى ارتكبت فيها جرائم القتل والاغتصاب واحتضنت جثث الضحايا كانها مقابر جماعية.. طالب الجميع بإغلاق تلك السراديب، ولكن بعد انتهاء "الحكاية" اكتشفنا أن السراديب مفتوحة على مصراعيها والأنفاق المهجورة تفتح أبوابها فى إنتظار الجثة القادمة، وبإمكانى إرشاد من يريد الى 10 أماكن على الأقل يستطيع أى مجرم أو حتى مشروع مجرم أن يرتكب فيها أى جريمة بدءا من الاغتصاب انتهاء بالقتل.
يستطيع أى بنى ادم أنيركب أى قطار درجة تالتة من أى محطة فى بر مصر الى أى وجهة فى المحروسة، وسيجد طفل أو شاب يتعاطى الكولة، وبنت تطاردك بباكو مناديل، والمشكلة هنا ليست فى انها تطاردك، ولكنها فيمن يطاردها، ومن يغتصبها لأنها بلا مأوى ولا مصير.. ولأن موسم الصيف هو موسم السياحة العربية، فهو موسم أطفال الشوارع ومن "يسرحهم فيها" ليتسولون "بأغتت" الطرق وأسخفها .. كل هذا يحدث وكأن هذه البلد لا "فيها حكومة" و"لا ظابط ولا رابط".
لقد أصبحت نظرية الهيصة إدمان فى مجتمعنا الذى يعشق البحث عن فضيحة او سيرة يمضغوها "زى اللبانة"، أى شئ ننتفض فى مواجهته ثم ننزل على لاشئ، هل يعرف مثلا ما هو مصيرة "هيصة" سيدى سفاح المعادى، ولا "مولد" صاحب العبارة، أو فضيحة فتيات هالة سرحان، او مصير قتلى بنى مزار.. بالطبع لا أحد يعرف فكلها كانت أزمات عبرت فى حياتنا ولم نتعلم منها ولم نتعظ ولم نعالج ولم نعرف حتى من هو الجانى فيها ولم نعيد للمجنى عليه حقه .. ولم لا ونحن لم نعرف حتى الأن مين اللى سرق "بلدوزر" مترو الانفاق فى عز الضهر.
حسن الزوام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق