حسن الزوام
التعذيب فى أقسام الشرطة .. عنوانا عريضا صار السمة المميزة للتعامل الامنى مع المواطنين خاصة خلال الفترة القصيرة الماضية التى شهدت عدة حالات تم الكشف عنها وتصعيدها اعلاميا، بدءا من احداث قسم شرطة المنتزه مرورا بقتيل قرية تلبانة ثم قتيل السلوم ثم العمرانية واخيرا الطفل قتيل قرية شها، وهى الاحداث التى تم التعامل معها على المستوى التنفيذى باخضاعها للتحقيق.
المال من جانبها استطلعت عدد من الاراء حول التأثير السياسي لتلك الظاهرة داخليا وخارجيا .. فى البداية يقول عصام الإسلامبولي الخبير القانوني والدستوري، أن جريمة التعذيب واالماراسات التي تحدث في اقسام الشرطة تعد جريمة لا تسقط بالتقادم وفقا لاحكام المادة 157 من الدستور، وتصنف ضمن أبشع الجرائم ضد الانسانية وحقوق الانسان.
ويوضح الاسلامبولى أن التعذيب يظهر فى المجتمعات ضمن منظومتين اساسيتين، الأولى هى تفشي حالة من الفساد العام داخل المجتمع بما يشيع المظالم وضياع الحقوق، والثانى هو تطبيق قوانين استثنائية تحكم حركة المجتمع مثل قانون الطوارئ الذى أدى الى تعاظم وسلطة الامن باستمرار، وهى قوانين مرتكزة على أساس حماية النظام وليس حماية المواطن، وشيوع التفكير بأن استخدام العنف مع المواطنين يحمى النظام، فدخل التعذيب فى صلب التعامل الامنى من اوسع أبوابه، مستندا في ذلك الي حمايه النظام له مادام هذا النظام يحتمي بالامن.
واضاف الاسلامبولي ان الأمن استطاع الخروج علي القانون والخروج علي احكام القضاء، فمثلا شعار الداخلية السابق" الشرطة في خدمة الشعب" غيرته وزارة الداخلية الى الى "الشرطة والشعب في خدمة القانون"، ورغم أن المحكمة قد أبطلت الشعار الجديد، الا أن الوزارة لم تستجب لحكم القضاء، فترتب علي كل ذلك ان اصبح المجتمع ينقسم الي نظام تحميه الشرطة، ومواطن بلا حماية.
وتابع الاسلامبولي أن سطوة الامن وصلت ايضا الي النيابات واصبح له السيطرة عليها وله كل صلاحياتها وهو ما يهدد بكارثة مستقبلية .. واثار مدمرة، مشيرا الى أن أخطر التداعيات السياسية للمارسات الامنية القمعية والتعذيبية أنها تدفع المواطن الى التحامل على الوطن وفقدان الانتماء لهذا البلد، وبالتالى يتولد لديه دوافع نفسية لخيانة الوطن.
واضاف الاسلامبولي ان الجهاز الامني في مصر جعل المواطن يشعر بالقهر السياسي بجانب المعاناه والقهر الاجتماعي، وجعله يكفر بالانتماء وبالوطن، فالمواطن الان بدلا من الاحتماء بالامن اصبح يخشي الامن ويخاف من دخول اقسام الشرطة، خشية ألا يخرج سالما، بعد أن زرع الامن بداخله الخوف والقهر والكراهية.
ويرى الاسلامبولي ان هذه الممارسات اساءت الي سمعة مصر دوليا، فهي تصور "الامن" كأداة بطش وارهاب للحريات، وتظهر الدولة مقصرة فى حماية حقوق الانسان، ووهو ما اتضح في تقارير منظمات حقوق الانسان الدولية، ويجعلنا نخشى من تعرض مصر الى عقوبات من قبل لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في حالة اتخاذ اجراء جماعي من المضارين من التعذيب في مصر وارسال شكوي جماعية للتحقيق فيها، والعقوبة قد تكون باللوم والانتقاد اذا كانت موجهه بصفة عامة الي جهاز الامن او حسب شكل النزاع والتقاضي الدولي اذا تمت في مواجهة شخص قام بالتعذيب .
أما الدبري فرغلي أحدى زعامات حزب التجمع وعضو مجلس الشعب السابق فقال أن أن الانتهاكات داخل اقسام الشرطة تحولت الي سياسة عامة، فلا يوجد قسم شرطة في مصر الا وحدثت فيه انتهاكات لحقوق الانسان ويتم فيه تعذيب المواطنين، وهو امر مشين وليس في صالح الشرطة ولا وزارة الداخلية ولا سمعة مصر.
واضاف فرغلي ان النفي المستمر من قبل الداخلية والتستر علي هذه الجرائم له تاثير سلبي علي الراي العام فهو يؤدي الي زيادة الاحتقان فى الشارع المصري وبعد شعور المواطن بتحول الداخلية والشرطة الي اداه قمعية بدلا من اداه لحفظ الامن والقانون، وهو ما جعل النظرة الي وزارة الداخلية تتغير سواء لدي المواطن البسيط.
ويطالب فرغلى وزير الداخلية بضرورة تغير سياسية الوزاة في التعامل مع هذه القضايا وتحويل جهاز العلاقات العامة بالوزارة من جهاز للنفي والتكذيب والتبرير، الي جهاز لنشر الحقائق وتوضيح الدوافع الحقيقية بدون تبرير الامر الذي لا يرضي اي الاطراف.
حافظ ابو سعدة الامين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان يرى ان تدهورا شديدا طال مركز مصر علي المستوي الدولي في حقوق الانسان في الفترة الاخيرة، حتى أ صبح اسمها يتردد في كل مناقشة مع وجود توصيات لازعة بضرورة تحسين هذه الاوضاع وضرورة تحقيق مصر لالتزاماتها في مجال حقوق الانسان وحرية الموطن، وان مصر اذا استمر في سياسيتها ونهجها تجاه المواطن من تعذيب وانتهاك لحريته وامنه فالنتيجة الحتمية هي اللفظ من المجتمع الدولي .
واضاف ابو سعدة ان ما يخرج عن لجان حقوق الانسان الدولية يظل في خانة التوصيات، ولكن في مرحلة ما سوف يكون هناك تحرك واجراءات رادعة مثل رفع تقرير الي مجلس الامن وهو الامر الذي يفتح المجال امام الضغوط الخارجية والدولية لقرار حقوق الانسان ومنع الانتهاكات والممارسات القمعية.
اما علي المستوي الداخلي فاكد ابو سعدة ان انتهاك حقوق الانسان هي بداية اسقاط الشرعية عن النظام والوصل الي حالة الفوضي والانهيار .. وقد شاهدنا جميعا منذ عامين مدي التوسع في الاحتجاجات في الشارع المصري ورد الفعل العنيف من قبل الشارع حتي وصل الامر الي ما يعادل 1500 احتجاج سنوي وهو معدل ضخم وينذر بكارثة.
واكد ابو سعدة ان ما يمر به المصريين يفقدهم صفة المواطن فهم اصبحوا مواطنين من الدرجة الثالثة لا تحترم ارادتهم ولا حريتهم ويعذب في الشارع والبيت وفي قسم الشرطة، بالاضافة لما يشاهدة من رشوة وفساد وسرقة واعلانات مستفزة عن مدن وقري جديدة هي ابعد شئ عن خياله وتخاطب فئة اخري ابعد ما تكون عن حال الموطن العادي البسيط الذي لا يستطيع الحصول علي قوت يومه .. مما يخلق حالة من فقدان الثقة بين المواطن والنظام.
واضاف ابو سعدة ان ان القوي السياسية ومنظمات حقوق الاسنان والاعلام تمكنوا من فضح بعض هذه الممارسات وما علينا الا الاستمرار في الضغط وكشف الانتهاكات بدلا من انتظار التدخلات الاجنبية، التي لا تحقق في النهاية مصالحنا وانما تحقق مصالح خاصة بها لان الامر في النهاية سيكون عبارة عن ضغوط دولية ومفاوضات لن تحقق حرية كاملة لحقوق المصريين وامنهم، والحل هو الاستمرار في سياسة الفضح لانها افضل الوسائل الان، ونحن قاب قوسين اوادني من القضاء علي الممارسات التي تهين حقوق الانسان وكرامته وسنتسكمل الضغط الي النهاية.
أما المهندس أحمد بهاء الدين شعبان القيادي بحركة كفاية فيرصد نقطة هامة للغاية وهى تدخل قيادات بالحزب الوطنى لحماية ضباط الشرطة ودفع المواطنون للتنازل عن خصومتهم للجهاز الامنى، معتبرا أنه من أهم تداعيات الاحداث الاخيرة، وهو ما سيكون أثره سريعا بفقدان الحزب الوطنى مصداقيته بين الناس.
ويضيف شعبان ان قيادات الحزب الوطنى تعلم جيدا دور الامن فى بقائها ووصولها الى مقاعدها النيابية والحزبية، وبالتالى من الطبيعى أن يحاول هؤلاء رد الجميل للأمن، ولو على حساب حياة المواطنين وضياع حقوقهم، معتبرا أن انتشار قضايا التعذيب بهذا الكم مؤخرا يؤكد على منهجية هذا الاسلوب داخل وزارة الداخلية، وهو ما يهدد بزيادة الاحتقان فى الشارع المصري، وهو أمر كثيرالمخاطر ولا تحمد عقباه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق