أنا كل يوم أسمع.. فلان عذبوه
أسرح ف بغداد وفلسطين واتوه
ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب
وأعجب من اللي يطيق يعذب أخوه
عجبي!!
رباعية كتبها الشاعر والفنان المتكامل صلاح جاهين فى ستينيات القرن الماضى، لتحجز موقعها الدائم كلما حل التساؤل عن زبانبية النظام الذين يقومون بعمليات تعذيب ضد المواطنين فى كل العصور، ولم يكن جاهين يعلم أن خلود تلك الرباعية مربوطا باستمرار تعذيبنا، حتى اليوم وحتى اللحظة وطالما بقى النظام القائم قائما، والفكر الامنى هوالذى يحكم التعايش بين الحاكم بكل ما يمكن أن تلصق به صفات القمع، والمحكومين بكل ما يحملونه من قدرة على الخنوع
وشخصية القائم بالتعذيب ضد الموطنين الأبرياء ليست من عينة تلك الشخصيات التى يمكن التعاطف معها رغم ما يحيطها من كرب وأمراض ومال حرام ونهاية مأساوية فى الغالب، لأنها بإختصار شخصيات مريضة أقرب الى حيوان السلعوة المتوحش والغدار، منه الى البشر لأن شكله مرعب مفترس ويهاجم ضحاياه من ظهروهم
ولا يملك هؤلاء المتهمون بتعذيب الشعب المصري - وهم من أبنائه بكل أسف وشعور بالعار لإنتمائهم اليه - أى مبرر لاستخدام التعذيب كآلية لقمع البسطاء الذين لا يهددون أمن النظام ولا يصارعون على الحكم وليسوا أعضاء فى جماعة ارهابية ولا حتى محظورة، لأن التحقيق الذى يقومون به مع هؤلاء لا ينطوى على خطورة تهدد أمن الوطن وسلامة أراضيه، ولكنها مرتبطة بأمور أتفه من أن يموت بسببها إنسان أ وحتى تهان كرامته
وحتى وإن وصلت الى حد تهديد سلامة الناس، فإن أقسام الشرطة هى جهة ضبط وليست جهة تحقيق، وبالتالى فمن يدخلها آمن لحين عرضه على جهة التحقيق التى هى النيابة العامة، التى تحدد مصيره، ولكن لأننا وطن مهان ولأننا مواطنون لا ثمن لنا يقوم ضباط الشرطة المنحرفون نفسيا بتطبيق العقاب على المتهمين امامهم حتى وإن وصل الى مرحلة الاعدام
الغريب أن جريمة التعذيب التى لا تسقط بالتقادم وفقا للدستور المصري، لا يقتصر جرمها على ما قام به هؤلاء الضباط، ولكن آثارها تمتد لتشمل مصائب أخرى يبتلى بها القائم بالتعذيب، تجعل حياته جحيما، ومرتبته فى قاع مزابل التاريخ
يمكنك - والعياذ بالله وسامحنى فى هذا – أن تتخيل نفسك ضابط شرطة يرتكب جريمة التعذيب، ثم تعرف أن مالك حرام، نعم هو حرام وقد أصدر مجمع البحوث الاسلامية فتوى لأحد السيدات تسأل فيها عن مدى صحة ما يكتسبه زوجها ضابط الشرطة من راتب خاصة أن عمله يتضمن تعذيب المواطنين وإهانتهم، بل وقالت الفتوى أن تلك الزوجة من حقها طلب الطلاق لتضررها من جرائم زوجها
ولا يفرق القانون المصري حماه الله فى اعتبار التعذيب جريمة يستحق مرتكبها العقاب، مثله مثل شمامين الهيروين وتجار المخدارات والقتلة المأجورين ولصوص الخزائن، وقطاع الطرق وناهبى أموال الشعب والقوادين وتجار الرقيق الأبيض والقائمة تطول من أفعال المجرمين السفلة أعداء البشرية التى يصنفها القانون كجرائم
تخيل نفسك أنك ضابط شرطة وأن مالك حرام ولزوجتك الحق فى طلب الطلاق لأنك مجرم، ثم تعرف أنك لا محالة ستكون مريض نفسيا، حتى وإن تجاهلت ذلك بقدر استطاعتك، ويمكننى – يا من أجبرته على ان يتخيل أنه ضابط شرطة مجرم بفعل التعذيب ضد المواطنين – أن أذكرك بورقة عمل قدمها الدكتور عادل مدني أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر في أحد المؤتمرات، قسم فيها مرتكب جريمة التعذيب إلى 3 أنواع
الأول هو الضابط الذى يوافق على التعذيب لأنه يرى أن هذه هي الطريقة المثلى لتحقيق العمل المنوط به وبالتالي تحقيق صالح المجتمع، والنوع الثاني وهو المضطر إلى فعل ذلك وينتابه الشعور بالذنب والاحساس بأن مجرد وجوده في المكان ضاغطا نفسيا، أما الفئة الثالثة فهم يقومون بالتعذيب كنوع من أنواع المتعة واللذة ويطلق عليهم الساديون
الفئة الثالثة من الضباط الساديين الذين يعانون من إضطرابات فى شخصيتهم هم من عينة ضباط التعذيب فى كليب "القفا"، وكليب "العصا" وكليب "الفلكة"، وكلها كليبات حظيت بشهرة فى مصر تجاوزت شهرة كليب "العنب العنب" لفنان المرحلة "سعد الصغير
وحتى نذكر .. فكليب القفا وقعت أحداثه على قفا مواطن فى قسم الهرم، وكليب العصا دخلت أطرافه فى مؤخرة مواطن بقسم بولاق، اما كليب الفلكة والذى ظهرت فيه إمرأة معلقة من قدمها وهى تتألم بصوت أثار جنسيا الضابط الحقير الذى كان يقوم بتصويرها وهى تعترف بجريمة قتل من شدة الألم، على غرار غزوة الممثلة حبيبة التى أجبرها ضابط شرطة مجرم على الاعتراف بقتل زوجها الذى لم تقتله والقصة تعرفونها
وكانت تلك الكليبات قطرة فى بحر من فضائح التعذيب التى طاردت المصريين خلال العام الماضى والحالى، وهى الفضائح التى واجهها بكل حزم السيد اللواء حبيب العادلي بمنع دخول أجهزة المحمولة المزودة بكاميرات الى الأقسام، حتى لا يتم تصوير عمليات التعذيب، رافعا شعار "دعونا نعمل فى صمت"
المهم .. تطارد ضباط التعذيب المرضى أعراض وفقا للمصدر المشار اليه عاليا في شكل اكتئاب وإحباط وعدم القدرة على التكيف مع الواقع ليتحول المرض الى وسواس قهري، فيصبحون بلا قيم ولا أخلاق ولا دين مما يؤدي بهم إلى ارتكاب مخالفات إجتماعية وأخلاقية بسهولة شديدة وينتقل هذا إلى أبناؤهم لا شعوريا، مما يؤدي إلى تأثير سيء على المجتمع ككل
شفتوا زبالة أكتر من كده وأمراض ألعن من دى، حقيقة عزيزى القارئ– يا من أجبرته على ان يتخيل أنه ضابط شرطة مجرم بفعل التعذيب ضد المواطنين – لا يمكن حتى الاشفاق على هؤلاء، لأنهم لم يرحموا ألام عماد الكبير سائق الميكروباص الذى وضعوا العصا فى مؤخرته وأذلوه، ولا صرخات محمد طفل "قرية شها" عمره 12 عاما قتلوه من التعذيب، ولا أسرة سباك العمرانية الذى ألقوه حيا من الدور الرابع، ولا توسلات ابن قرية تلبانة الذى مات من التعذيب فى قسم الشرطة، ولا إنسانية الشاب الذى حرقوه حيا فى السلوم
حسن الزوام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق