غزة ذلك القطاع الفلسطيني الصامد الذى ينفرد وحده بأنه اتعس مدن العالم واكثرها كثافة سكانية، وفقرا وظلما وقهرا، فيها يعيش أكثر من 3750 بنى أدم فى مساحة الكيلوا متر الواحد، مهددين .. مهدورين .. لا ثمن لهم ولا سعر.
غزة تلك رأت من العذاب ما لم تراه مدينة عربية، فى زمن يقاس فيها عذاب المدن بمدى عروبتها من بغداد الى بيروت الى القدس الى غيرها، فقد كانت منبع الانتفاضات ومصنع المقاومين، التى يحلم قادة الدولة الصهيونية بأن يبتلعها البحر، ويبحثون عن أى حل للخلاص منها، بدءا من مبادرة "غزة أولا" الى مخطط القائها فى "حجر" مصر بدعوى أنها مرتبطة اداريا وتاريخيا بالدولة المصرية على مر العصور.
غزة عرفت مذاق الديمقراطية بعد أن شعرت بنصر خروج شارون منها بقواته وكأنه يقول لها "يا غزة لا تقرصينى ولا عايز منك عسل" فإختارت أن تنتخب رجال حماس الذين اشتهوا السياسة وتركوا المقاومة، بعد أن فسد الساسة القادمون من تونس، ممن تركوا ثأر مقتل زعيمهم الروحى ياسر عرفات مسموما وكأنه مات بنزلة برد.
لكن ديمقراطية غزة لم تعجب أجنحة عديدة فى الانظمة العربية وغيرها، فمنهم من اراد استغلال الأمر لمحاربة أمريكا واسرائيل من خلال دعم المقاومة التى أصبحت فى عصرنا ارهابا فقيل ان ايران تدعم حماس فى إطار مشروعها الامبراطورى، وأن سوريا استخدمت حماس لأنها تريد أن تنغص حياة أمريكا واسرائيل بالوكالة، وتردد أن القاهرة كانت تمثل دائما وجهة نظر فتح ضد حماس وانها لا ترى الا ما تراه واشنطن، وانها لا ترغب فى أن يلعب نموذج غزة فى دماغ جماعة الاخوان فى مصر فيحلمون بالوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع، كما أنها ستحارب قيام إمارة اخوانية على حدودها، وأن الرياض ارادت البحث عن دور فقامت برعاية اتفاق "هش" من اجل اثبات أن دورها صار مؤثرا وعملاقا، وأن زمن التكية المصرية ومحمل الكسوة قد انتهى بلا عودة، وان النفط هو عملة العصر، بينما لعبت عواصم عربية اخرى دور كبير فى إفساد العلاقة بين جناحى السلطة فى فلسطين المحتلة، أو تقاعست عن علاج "الكيس الدهنى" حتى "صار ورما خبيثا" يهدد حياة القضية، كل هذا فى الوقت الذى "يلغوص" فيه الأمريكان والاسرائيليين والأوربيين فى القضية بأصابع أرجلهم.
والأن وصلت غزة الى المنحدر، وانقسمت السلطة الى جناحين، وصار الوطن وطنان، وسال الدم الفلسطينى بأيدى فلسطينية برعاية الأشقاء وتربص الاعداء ودعم القوى الاقليمية وفى ظل وساطة الشقيقة الكبرى والصغرى وبلاد النفط وجبهات الصمود .. الأمر الذى يدفعنا لأن نقول لكل هؤلاء "مانجيلكوش فى غزة" ولا مكروها لديكم، اتركوا القضية لأهلها "لأنها فطست" من الوساطات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق