• أمام ثورتنا .. أسئلة كبيرة .. لا تقف عند السلفيين وضرباتهم .. ومصير المسلمات الجدد .. وملاعيب الإخوان .. ومناورات الثورة المضادة .. وتوهان القوى السياسية .. ولخبطة أولى الأمر .. وأهم سؤال هو مصير هذا الوطن .. مصير مصر بعد 25 يناير الثورة
  • لست ضد النوايا الطيبة للشيخ حسان وتابعه الشيخ صفوت حجازى وجولاتهما المكوكية فى ربوع مصر لحل ما استعصى على الدولة وما صعب على الحكومة وما فشل فيه أولى الأمر، لكن الدولة دولة قانون
  • أعرف جيدا .. أننى حزين الأن .. لإقتران لقب "أبو العيش" بأمور فساد مالى وإدارى .. بعد أن كانت مثالا للإقتصاد الرحيم .. والتنمية التى لا تنقطع .. ونشر الثقافة .. والتوعية بقضايا البيئة .. والأعمال الخيرية .. وأتمنى من الله .. أن تزول تلك الغمة بظهور الحق وبيان الحقيقة التى لا يحتكرها أحد الان
  • وبين الأب الذى "لم يكن ينتوى" .. والإبن الذى "كان ينوى" .. كانت هناك شهورا قليلة فاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية نفسها .. ولكن أيا منهما لم يكن قد أعلن عن تلك النوايا وكأن مصر ستظل أسيرة نواياهما
  • بينما أولئك المُصنفون "فرز تانى وتالت ورابع" من لصوص ومنافقين.. يحاولون تبديل وجوههم وتغيير مبادئهم وسلخ جلودهم القديمة كالثعابين والأفاعى

الأحد، ٢٢ أغسطس ٢٠١٠

كيف تحول شهر الصيام .. الى موسم للإستهلاك




من الفاطميين.. الى طارق نور

كيف تحول شهر الصيام .. الى موسم للإستهلاك

شرع الله شهر رمضان الكريم وعبادته الأساسية هى الصيام عن الطعام .. لتهذيب النفس بطاعة أمر الله .. والإحساس بالحاجة لمدة ساعات يوميا فى شهر واحد بالعام .. ليدرك القادر أهمية ما يتعامل معه طوال العام على أنه أمر مسلم به .. ولا قيمة له .. وهو الطعام والماء .. ومن هنا كانت أهمية الصيام.

ويعد شهر رمضان منحة إلهية، وهبة ربانية، يتحقق فيها الفرد والمجتمع بمعانى تزكية النفس، وتعزيز القيم الروحية .. فمن أكثر ميزات شهر رمضان أنه يدفع الإنسان إلى تنظيم حياته اليومية، وحمايتها من السفه، وترشيد أنماط استهلاكه ليصبح استهلاكا نافعا بدون أى أو تبذير، والسيطرة على شهواته الإسرافية.

لكن الواقع الغريب الذى نعيشه فى أيامنا تلك هو أننا قلبنا الصورة رأسا على عقب .. وحولنا شهر رمضان "حيث الصيام" الى شهر "الاستهلاك" .. حيث الإسراف فى التهام الطعام والمشروبات .. وكأنه كرنفال ممتد على موائد الطعام 30 يوما فى الشهر.

والسؤال .. كيف تحولت فلسفة الشهر الكريم الى هذه الصورة؟؟ .. وكيف تغلغل النمط الاستهلاكى لحياتنا .. ومن وراء هذا التحول أو التحويل فى حياتنا.

أصل الحكاية

الفاطميون .. استغلوا الاسراف فى موائدهم الرمضانية للتقرب للشعب .. والشعب قبل الهدية

يقول الدكتور زاهى حواس الأمين العام للمجلس الاعلى للاثار فى أحد أبحاثة المنشورة حول "الاحتفالات المصحوبة بمقدم شهر رمضان" أن الدولة الفاطمية كانت أول قادت عملية تغيير العادات المصاحبة لشهر الصيام، فبعد أن من كان الناس فى صدر الإسلام يستعدون لمقدم الشهر الكريم عن طريق زيادة جرعة العبادات،‏ فبجانب تأدية الفروض كانوا يتسابقون فى قراءة القرآن الكريم بنهار وليل رمضان وقيام الليل إلى مقدم الفجر،‏ ولم يمنعهم ذلك من العمل بكل جد، وأمانة ولم تختلف هذه المظاهر كثيرا خلال عصر الخلفاء الراشدين ومن بعدهم العصر الأموى والعباسي.

وكانت بداية ظهور هذا النمط الإسرافى والتفنن فى تقديم الطعام والشراب والربط بين شهر "الصيام" و"الطعام"، على أيدى الفاطميين، وتحددا من خلال الموائد التى كان الخليفة يقيمها وتقاس بالأمتار، وهو ما انتشر فى عموم الدول الاسلامية مع اتساع حدود الدولة الفاطمية التى اشتهرت بالاحتفالات والأعياد، وان تضخمت تلك الظاهرة فى مصر التى كانت الدولة الوحيدة التى تملك منذ آلاف السنوات أعيادا متأصلة‏.‏

ورغم أن حكام الدولة الفاطمية لم يكونوا من دارسى علوم الاتصال السياسي ولا التسويق، الا أنهم استغلوا شهر رمضان لتحقيق أكبر تواصل لهم مع الشعب، وكان مطلع شهر رمضان هو المناسبة الأهم لدى الخليفة فى هذا العصر، وكان يخرج على رأس موكبه ليجوب الشوارع المحيطة بقصره مرتديا أفخم الثياب ومعه جنوده وحاشيته يجوبون الشوارع، وينثر الخليفة المال على الناس حتى يعود الى قصره فى شارع المعز‏، وكان أصحاب المحال والحرف يستعدون لهذا الموكب بتعليق الزينات وتنظيف الطريق،‏ وعرض بضائعهم لكى يتأكد الجميع من وجود البضائع والسلع بالبلاد.

وفى اليوم الرابع من شهر رمضان وإلى اليوم السادس والعشرين ينظم قصر الخليفة "المائدة الكبيرة" فى قاعة الطعام بقصر الخليفة،‏ ويأتى المئات من أقارب حاشية الملك والخدم والمعاونون ومعارفهم للأكل من "مائدة"الخليفة التى كان يقوم على تحضيرها عشرات من الطباخين ومساعديهم‏، ويظل الناس يأكلون ويشربون ولا ينصرفون إلا لصلاة العشاء،‏ ليس هذا فقط بل كان بإمكانهم أن يأخذوا من الطعام ما يكفى لسحورهم وأهلهم فى بيوتهم‏.‏

وكان الخليفة يستغل تلك المائدة خير استغلال حيث يجلب الشعراء الى شرفة قاعة الطعام لإلقاء قصائد تمدحه وأخلاقه وكرمه وفضله، الى جانب قارئي القرآن والمؤذنون والوعاظ.

وكما كان يفعل فى موائد الإفطار .. كان يتكرر فى السحور .. وفى اليوم التاسع والعشرين من رمضان يمنح الخليفة عطاياه للمؤذنين والقارئين فى ليلة ختام الشهر،‏ التى تشهد شرفتها ذكر آيات القرآن وقصائد مدح الشهر الكريم، وبعد الوعظ والدعاء وتكبير المؤذنين يهلل الجميع وينثر الخليفة عليهم الدنانير من الشرفة.

ومنذ أن ابتدع الفاطميون هذا الربط بين شهر رمضان والاحتفالات والاسراف فى تقديم الطعام .. حافظ المصريون على تلك المظاهر .. كما حافظوا على أعيادهم الفرعونية .. وكل أعيادهم واحتفالاتهم على مر التاريخ .. ومنهم انتقلت الى الدول المجاورة.

شركات الكولا والـ "شيبس" والمسلى الصناعى استعملوا النجوم لبيع سمومهم فى رمضان

ترويج الموت والمرض .. بين أسطورة التليفزيون .. وملوك الإعلانات

فى العصر الحديث كانت حقبة الثمانينيات من القرن الماضى هى نقطة فاصلة فى تغيير النمط الاستهلاكى للناس فى هذا الشهر .. وفى هذه الحقبة التى شهدت توسع الشركات متعدية الجنسيات فى الأسواق المصرية مثل شركات المشروبات الغازية "كوكاكولا وبيبسي كولا، وشركات رقائق البطاطس "شيبسى"، ودخول مصر سوق استيراد زيت النخيل، وهو ما تزامن مع اتساع ثورة التكنولوجيا ودخول التليفزيونات كل بيت فى مصر.

كان ظهور التليفزيون هو نقطة البداية فى تحول ثقافة الإستهلاك فى مصر، ونجح عميد شركات الإعلان "طارق نور" وأخوته فى قيادة هذا التحول .. فقنوات التليفزيون زادت من قناتين فقط وهما القناة الاولى والثانية الى 10 قنوات محلية وإقليمية وناطقة بالإنجليزية، وهو ما وفر مساحات زمنية كبيرة لاستقبال ثورة التسويق القادمة بقوة.

كيف دخلت "الكولا" فى صلب المائدة المصرية

بعد أن كانت المياه الغازية من المنتجات التى تتعرض للركود طوال شهر رمضان، أنفقت شركات "الكولا والصودا" ملايين الجنيهات خلال التسعينات من القرن الماضى، للربط بين "المنتج" و"الصيام"، والربط بين عطش الصائم .. والارتواء من منتجاتها، وجندت فى سبيل ذلك عدد كبير من مشاهير الفن والرياضة، واستخدمت كافة أنماط الدعاية من الإعلانات التشويقية وذات الإيحاءات الجنسية والكوميدية وحتى الإعلانات ذات الاجواء العائلية، لتصبح المياه الغازية الآن فى الألفية الثالثة هى الفاصل المشترك على موائد الصائمين رغم قائمة أضرارها – المثبتة ببحوث علمية - التى تبدأ بتآكل الأسنان وتنتهى ومرض السكر وهشاشة العظام، مرورا بالأرق والصداع والحموضة وتوتر الجهاز الهضمي، ويكفى فقط معرفة أن المشروبات الغازية تصنع من الماء المعالج مع غاز ثاني أكسيد الكربون، وإضافة مواد تحلية ولو ونكهات وأحماض مثل حمض الفوسفوريك، وحمض الستريك، ومادة الكافيين التى تعادل فى العبوة الواحدة الموجود فى فنجان القهوة.

الـ"شيبس" .. رقائق الأمراض

نفس الأمر نجحت شركات الدعاية فى ترويجه بين المصريين وهو شرائح البطاطس "شيبس" التى تحولت من "مقرمشات" مضرة، الى جزء رئيس من مائدة رمضان، ونجحت شركات الدعاية العملاقة فى إقحام الـ"شيبس" فى الموضوع، عبر حملات إعلان مكثفة إستخدمت نفس النمط الامريكى فى التسويق من خلال نجوم السينما والدراما، الذين إرتضوا الترويج لتلك السموم المعبأة فى أكياس ملونة، وترويجها بالأساس بين الأطفال، رغم أضرارها الكبيرة كاحد مسببات السرطان وأمراض القلب وإرتفاع الكوليسترول وأمراض الكبد، والسمنة لدى الاطفال بسبب الألوان والنكهات التى تضاف للبطاطس والزيوت المهدرجة المستخدمة فى تسوية الرقائق، الى جانب الكارثة الأكبر التى كشفها لى عميد كلية الزراعة بأحد الجامعات من أن شركات الـ"شيبس" تضع مبيدات على حبات البطاطس أثناء تخزينها لفترات طويلة لضمان عدم نبت الدرنات من حبات البطاس خاصة مع تخزينها فى أجواء رطبة.

ولكن من أجل الأرباح الوفيرة والمكاسب العملاقة – لاحظ زيادة عدد شركات الـ شيبس" فى مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة - تضرب شركات رقائق البطاطس - ونجومها الذين تستعملهم - عرض الحائط بهذه المخاطر فى مقابل ترويج هذه السموم وإدخالها فى صلب موائدنا الرمضانية، ودعم الثقافة الاستهلاكية.

سمن زيت النخيل .. بوابة أمراض القلب

قادت شركات المسلى الصناعى وكيانات الدعاية العملاقة فى مصر - مدعومة بالفقر وضيق ذات اليد - أكبر عملية تحويل لعادات المصريين، بترويجها للمسلى الصناعى، المصنعة الدهون المشبعة الضارة مثل زيوت النخيل، وتحول شهر رمضان خلال السنوات الخمس عشر الماضية الى أكبر كرنفال للترويج "للسمن" الصناعى رخيص السعر، عن طريق حملات الاعلانات المكثفة، التى تتحدث "عن طعم الفلاحى" و"ريحة القشطة" و"لون الزبدة الصفراء".

فبعد أن حاربت الدول المنتجة لزيت النخيل و"معظمها دول أسيوية" لإدخال مصر – أكبر مستورد للزيوت فى العالم – فى هذا السوق فى السبعينات، وهو ما رفع سعره عدة أضعاف، قامت بدعم الشركات المستوردة لتوسيع استهلاكه فى مصر، واستبداله بالسمن البلدى والزبد والزيوت المعروفة، وبالفعل نجحت تلك الشركات، وأصبح رمضان هو شهر اعلانات "سمن زيت النخيل"، رغم أن تلك الزيوت من اهم مسببات إرتفاع نسبة الكوليسترول فى الدم وأمراض القلب والسمنة، وهو ما دفع الدول المتقدمة الى تجريم إستخدام كل انواع المسلى والسمن الصناعي فى الوجبات بالمطاعم، اما نحن فلازلنا نبيع المرض للناس فى نهار وليل رمضان.

يوميات فاتورة النهم الرمضانى

مع كل دقة مسحراتى .. ننفق مليار جنيه على الطعام .. ثم نرمى 60% منه فى القمامة

هل يعقل أن ينفق المصريين فى رمضان هذا الكم من المال ويلتهون تلك الاطنان من الطعام .. فالارقام التى ترصد سفه المصريين فى الصرف على بطونهم فى شهر الصيام مفزعة الى حد كبير .. فهذا تقرير للبنك الدولى يؤكد ان المصريين يستهلكون من الطعام ما يوازى 14 ضعف استهلاكهم فى غير رمضان، وتلك تقديرات لجحم هذا الانفاق تصل الى مليار جنيه يوميا، وهذه دراسة علمية صادرة عن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية‏‏ والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مصر، تقول أن المصريين ينفقون على الطعام سنويا‏ 200‏ مليار جنيه‏، يستأثر شهر رمضان وحده بـ ‏15% من هذه النسبة، أى ما يعادل ‏30‏ مليار جنيه شهريا.. والعجيب والغريب أن أكثر من نصف هذا الكم المهول من الطعام - 60% منه تقريبا - يلقى فى القمامة.

600 مليون فى صناديق القمامة

وإذا صحت تلك الأرقام التى تتداولها وسائل الإعلام فإن ذلك يعنى أن الشعب المصرى الذى يعيش قطاع كبير منه تحت خط الفقر يلقى 600 مليون جنيه فى هذا الشهر الكريم فى صناديق القمامة التى تستقبل سنويا 25 مليون طن من المخلفات تمثل أكبر نسبة لنصيب المواطنين من "الزبالة" على مستوى العالم، ويستأثر شهر رمضان بأعلى شهور العام انتاجا للمخلفات بمتوسط 3 ملايين طن تقريبا خلال الشهر.

ووفقا لإحصائيات الأنفاق والتى تعود الى عام 2004، فإن الأسبوع الاول من شهر الصيام يشهد التهام المصريون لـ7،2 مليار رغيف خبز، ونحو 3،8 ألف طن لحوم حمراء و40 مليون دجاجة ونحو 12 ألف طن من الأسماك و15 ألف طن مسلي و25 الف طن زيوت ونحو 11 ألف طن جبن ابيض و5،7 طن زبادي و85 ألف طن سكر ونحو10 آلاف طن فول و858 الف طن دقيق، وتقول الدراسات أن ‏83% من المصريين يغيرون عاداتهم الغذائية خلال شهر رمضان، حيث يرتفع استهلاك الحلوى بنسبة ‏66.5%، بينما يتزايد استهلاك اللحوم والطيور بنحو ‏63%، والمكسرات بنسبة ‏25%.

وإذا ما قمنا بتحديث تلك البيانات وفقا لنسبة الزيادة فى السكان فإن هذه الأرقام ستصبح قابلة للزيادة بنسبة لا تقل عن 10% فى وقتنا الحالى.

ويرى الخبراء أن ما يفعله المصريون فى شهر رمضان هو نوع من النهم الاستهلاكى غير الرشيد ويحتاج الى توعية للكف عن هذا الا ستهلاك الذى يضر بميزانيات الاسر فى هذا الشهر فمعدل إنفاق المصريين خلال الشهر الكريم يتزايد بنسبة تتراوح ما بين 50 إلى 100% رغم ارتفاع معدلات التضخم والإرتفاع الرهيب فى الأسعار.

خمسة أضعاف الأمريكان

ووفقا للدراسات الحديثة فأن متوسط الاستهلاك خلال شهر رمضان من اللحوم يزيد من 17 إلى 30 ألف طن، ومن الدواجن يرتفع إلى 120 مليون دجاجة، مقابل 60 مليون فى الشهور الأخرى وفى الزيوت يزيد من 60 إلى 75 ألف طن، كما يرتفع متوسط الاستهلاك من السمن النباتى من 25 إلى 75 ألف طن، واستهلاك السكر يزيد من 175 إلى 250 ألف طن للإسراف فى الحلويات الرمضانية.

إسراف المصريين لفت نظر العالم أجمع وهو ما دفع وحدة معلومات مجلة الأيكونوميست البريطانية بعمل مقارنة بين إنفاقهم على الطعام والذى بلغ بقيمة ‏45 ‏مليار دولار فى عام ‏2009، بنسبة ‏47%‏ من الإنفاق المنزلي بالنسب العالمية التى بلغت ـ‏32%‏ فى الصين و‏15%‏ فى الكويت و‏14%‏ فى الامارات العربية و‏26%‏ فى السعودية فى حين أن هذه النسبة تنخفض إلى ‏12%‏ فى المملكة المتحدة و‏9%‏ فقط فى الولايات المتحدة‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
خد عندك © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates