ما فعله "ويكليكيس" فى مفاهيم السياسة .. أكبر من الوقوف عن مناقشة تسريباته .. وكيفية الحصول على تلك الوثائق .. والتغاضى عن تأثيراته.
"ويكيليكس" .. عدة أحرف ملتصقة ومبتكرة .. ترجمتها الى العربية تعنى موسوعة التسريبات أو مكوك التسريبات .. ذلك الموقع الذى سرب ملايين الوثائق السرية الكفيلة بصياغة تاريخا جديدا.
هذا التاريخ الجديد يبدأ أولا بكشف الوجه الأخر للسياسة وطرق صناعة القرار السياسى .. وهو ذلك المكان الذى يسمونه بالمطبخ .. ولم يكن متاحا حتى ظهر "ويكيليكس" للناس حق دخوله أو إقتحامه الا بعد رفع السرية عن الوثائق السياسية بعد 30 عاما على أقل تقدير .. ووقتها تفقد الوثائق جزءا من رونقها وأهميتها .. ربما لأن السياسيين أنفسهم الذين شاركوا فى صنع الحدث الخاص بأى وثيقة قد وافتهم المنية .. او انحسرت عنهم الأضواء.
أسانج هذا كان طفلا مشاكسا وشقيا .. وحين كبر أصبح صحفيا .. منحه اختراع الانترنت بعدا أخر للحياة .. ومعنى جديد لوجوده .. فأصبح واحد من نشطاء الشبكة العنكبوتية .. ومن أجل ذلك تعلم البرمجة وأصبح من عتاة القرصنة .. حتى أنه أدين أدين بتهمة قرصنة الكمبيوتر عام 1995.
وكما وجد أسانج نفسه فى الانترنت .. وجد أعوانه .. ناشطين على الإنترنت مثله من أنحاء متفرقة من العالم، همهم الاول هو العمل على دعم مبادئ احترام وحماية حقوق الإنسان ومعاناته .. حتى انطلق الموقع الذى يديره خمسة أشخاص نجحوا وحدهم وفى عدة أشهر .. فى أن يكشفوا للعالم معلومات عجزت عن كشفها صحف ووسائل اعلام عالمية على مدار عشرات السنين.
فمنذ أن أطلق أسانج موقعه الغريب لنشر الأخبار والمعلومات المهمة إلى الناس من خلال نشر وثائق سرية صدرت عنه أكثر من مليون وثيقة .. كلها كانت مختومة بخاتم السرية .. منها وثائق عن حرب العراق.. كلها تتحدث عن مبررات الحرب الوهمية .. وتكلفتها الحقيقية .. وعمليات القتل والتعذيب التى تعرض لها العراقيون .. حتى بلغ حجم الوثائق المسربة حوالى 400 ألف وثيقة عن تلك الحرب وحدها.. تسربت من قاعدة معلومات فى العراق تحتوي على وثائق مهمة وتقارير أعدتها وحدات ميدانية وتقارير تكتيكية.
ولكن بمرور الوقت أصبح "ويكيليكس" وعاءا لكل من يرغب فى تسريب وثيقة ما .. تفضح أمرا أو تزيح الستار عن سر ما.
ومؤخرا سرب "ويكيليكس" آلاف المراسلات بين الادارة الامريكية وحلفائها .. وصباح كل يوم ينتقى أسانج ورجاله مجموعة من الوثائق .. يصفع بها وجه نظام هنا .. ونظام هناك .. وثائق تكشف الوجه القبيح للسياسة .. وتضع القرار السياسى على طاولة التشريح.
إنه التاريخ الجديد القادم عبر شبكة الانترنت .. حيث لا حدود ولا قيود .. تاريخ لا مكان فيه للأسرار .. كل شئ سيصبح متاحا .. ولم يعد هناك قرار بلا مبرر سوى حكمة القادة ورجاحة عقل الكبار .. فوثائق "ويكيليكس" حاضرة لتكشف لنا كيف أتخذ .. ومن يحرك قطع الشطرنج من خلف الستار .. فى أى رقعة .. وفى أى قضية.
ما فعله "ويكليكيس" فى مفاهيم السياسة .. أكبر من الوقوف عن مناقشة تسريباته .. وكيفية الحصول على تلك الوثائق .. والتغاضى عن تأثيراته.
وحتى ان اعتقل أسانج أو تمت تصفيته فى أيا من عواصم العالم .. فإن ما قام بتسريبه صار منهجا تقاس عليه كل القرارات والمواقف التى اتخذت .. والتى ستتخذ فى القرن الحالى.
نحن حقا فى زمن "ويكيليكس" حيث بات من الممكن إختصار الثلاثون عاما بضغطة زر .. لا ردة فيه للخلف .. ولا مزيد من الجهل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق