فى بلادنا يرأس الوزراء عددا كبيرا من الهيئات التابعة أو ذات الصلة أو حتى ما لاعلاقة لها أحيانا بعمله .. وفى النهاية تكون النتيجة تضارب ملحوظ فى المواقف والتصريحات والتقارير الصادرة عن الوزير ذاته .. بإختلاف الجهات التابعة له رغم توقيعه الروتينى عليها.
من هؤلاء الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الإقتصادية والذى يراس فى الوقت نفسه المجلس القومي للأجور الذى قرر هذا العام وضع حد أدنى للأجر الشامل فى مصر بلغ 400 جنيه شهريا .. وهو تقريبا ثلث الحد الأدنى الذى قدرته محكمة القضاء الإدارى والذى يلزم الحكومة بحد أدنى 1200 جنيه شهريًا.
كانت تقديرات الوزير بمثابة تكليف بشهادة حق يجب أن يقولها دون الخوف من حاكم ولا حكومة .. فقال الرجل أن الحد الأدنى للأجر والبالغ 400 جنيه يكفى لحياة الانسان فى مصر. لكن وزير التنمية الاقتصادية والذى يرأس - بجانب المجلس الاعلى للأجور - إدارة معهد التخطيط القومى صدر عنه تقرير خطير قبل أيام يوجهنا الى طريق مختلف عن شهادة الحق التى كلف الوزير بقولها بحكم منصبه.
فالتقرير يرصد وانا أنقل هنا عن خبر نشره الصحفى المتميز أحمد زغلول بجريدة روزاليوسف أن السياسات التى اتخذتها الحكومة لمواجهة الازمة العالمية والتى صرفت من اجل تنفيذها 25.3 مليار جنيه فشلت فى مهمتها بل أتت بنتائج عكسية، ولم تخلق فرص عمل مناسبة ودعمت الاحتكار المحلى والأجنبى، ونتج عنها ارتفاعات غير مبررة فى أسعار الأراضى بما ترتب عليه ارتفاع تكاليف وأسعار الوحدات السكنية وعدم قدرة شرائح واسعة من متوسطى ومحدودى الدخل على الاستفادة منها .
وقبلها أقر الوزير نفسه فى سبتمبر الماضى أثناء عرض التقرير الخامس فى سلسلة تقارير متابعة الأهداف الانمائية للألفية لمصر لعام 2010، أن مصر وإن كانت قد حققت تقدما كبيرا على صعيد كل الأهداف الانمائية، الا أنها لاتزال تواجه تحديات بالنسبة للهدف الأول المعنى بالقضاء على الفقر "المدقع" والجوع.
وتكتمل المسخرة حين ينتقد معهد "التخطيط القومى" الذى يرأسه الوزير نفسه .. المجلس الاعلى للأجور الذى يرأسه نفس الوزير .. بسبب ضرورة تعديل الحد الأدنى للأجور الى 980 جنيها بدلا من مستوياته الحالية، واتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهة تدنى دخل المواطنين وتدعيم الاقتصاد المحلى، وهو ما دافع عنه الوزير بالتأكيد على أن القانون يعطى للمجلس وحده تحديد الحد الأدنى للأجور مع مراعاة معدلات التضخم.
واذا بمفاجاة فى تقرير حديث أصدره المعهد التخطيط القومى ذاته، بالتعاون مع البنك الدولى - نشره الصحفى نفسه - الاسبوع الماضى عن ارتفاع عدد الفقراء الذين يحصلون على أقل من 233 جنيه شهريا إلى 33 مليون فرد بنسبة 41.7% من اجمالى عدد السكان، كنتيجة مباشرة لوطأة تبعات الأزمة العالمية على الاقتصاد المحلى، وأن خط الفقر الأعلى بالنسبة للافراد فى مصر إرتفع ليصل الى 2801 جنيها سنويا بعد ان كان قد تم تحديده فى 2005 بقيمة 1855 جنيها وذلك بسبب ارتفاع الأسعار، وان نسبة الفقراء الرازحين تحت خط الفقر الأدنى والمقدر بنحو 2224 جنيه، تصل الى 21.56% من الشعب المصرى، وان 6% من الشعب يقع تحت حد الفقر الغذائى فى مصر والمقدر بنحو 1648 جنيه سنويا، وهى نسبة وفقا للتقرير الصادر بتوقيع عثمان نفسه، بالغة الخطورة لأنها تشير الى ما يقرب من 5 مليون مواطن لا يحصلون على ما يكفى للانفاق على مجرد الحد الادنى الضرورى من الغذاء.
تلك معلومات مؤكد أن الوزير يعرفها .. والسؤال للوزير عثمان محمد عثمان .. ضميرك مستريح يا دكتور .. ولا ما بتنامش الليل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق