"كومة" من الأمور الهامة، كشف عنها الإعلان عن شبكة التجسس الجديدة لصالح إسرائيل والتى تورطت فى التنصت على مكالمات مسؤولين كبار عبر تقنيات معقدة، ومحاولة تجنيد موظفين وفنيين داخل شركات الاتصالات.
أولها أن اسرائيل مازالت تصنف مصر فى خانة الأعداء على المستوى الرسمى .. وليس على المستوى الشعبى فقط .. وأن الابتسامات والأحضانة الدبلوماسية الدافئة بين مسؤولين هنا ومسؤولين هناك ما هى الا قناع يقبع خلفه ميراث من الكراهية .. وأن الدفء فى العلاقات الرسمية بين القاهرة وتل أبيب يكمن فى قاعه نيران مستعرة من الغل والحقد والعمل على تدمير مصالح مصر وتشويه علاقاتها الدولية .. ليس فقط مع دول حليفة لإسرائيل .. ولكن حتى العلاقات المصرية مع الدول العربية وفى مقدمتها سوريا التى كانت هى الهدف فى تلك العملية المخابراتية القذرة.
ثانى ما كشفت عنه القضية أن جهاز المخابرات المصرية لم تنتقل له عدوى الإهمال والتسيب التى دبت فى أوصال مؤسسات الدولة .. فواصل بدون كلل ولا ملل ملاحقة جواسيس الموساد وضربهم بيد من حديد عشرات المرات .. والعمل على حماية أمننا القومى .. وهو ما تستحق عليه التحية والعرفان .. لكن إسرائيل تحاول فى كل مرة تكرار "عملتها" على أمل تلقين المخابرات المصرية درسا، لذلك جاء الكشف عن تلك القضية فى هذا التوقيت للتأكيد على فشل مخابرات اسرائيل بإمكانياتها والدعم اللامحدود التى تحصل عليه من اجهزة مخابرات أخرى ودوائر سياسية عليا فى عواصم أوروبية وفى قلب واشنطن عاصمة حليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية.
الأمر الثالث هو إختيار أرض جديدة لتجنيد مصريين وعرب فى شبكات لخدمة مصالحها التى تتعارض بالضرورة مع المصلحة المصرية .. فذهاب – وربما استدراج – الموساد الى الصين، يمثل ملعبا جديدا لتجنيد عملاء لخدمتها .. وهو ما يعنى أن المخابرات المصرية بات لديها أذرع منتشرة فى الملاعب التقليدية والاوكار الجديدة لألاعيب الموساد .. وصارت مطالبة ببذل جهد أكبر. الأمر الرابع والخطير .. أن حالات اتصال مواطنين مصريين بالموساد الاسرائيلى وعرض خدماتهم عليه بمقابل مادى تكررت وباتت مقلقة .. ولا جدوى معها من الحديث عن تراجع الانتماء دون التوصل الى علاج .. يوقف هذا النزيف فى الوطنية نتيجة ممارسات داخلية .. قطعت "خط الرجعة" بين المواطنين و"وطنهم" .. وبات مطلوبا من الدولة النظر الى الأمر بجدية أكبر .. قبل أن ينضم لقافلة "الكفار بالوطن" أخرون ينتظرون الفرصة للإضرار بمصر .. ولو على سبيل الانتقام منها لأنها لم تستوعب أحلامهم وطموحاتهم العادية فى معظم الاحيان.
أخر ما كشف عن الاعلان الأخير عن الشبكة الاسرائيلية .. أن وسائل الإعلام فى مصر باتت مطالبة بتحرى الدقة بشكل أكبر وأكثر تنظيما من خلال توفير الدولة مزيد من الشفافية والمعرفة لها .. وخاصة لصحافة "الإنترنت" التى تسابقت أمس وأول أمس فى الإعلان – من خلال خبر مبتور وبجراة عالية من خلال نثبته الى المخابرات المصرية - عن القبض على شبكة التجسس "داخل أحد شركات المحمول" وهو ما كان يعطى انطباعا سيئا .. كفيل وحده بتدمير الشركة وسمعتها وأعمالها .. وهو ما ثبت عدم صحته بعد ساعات من نشر الأخبار .. سواء من خلال نفى الشركة أى علاقة لها بتلك القضية .. ومبادرة النائب العام بالإعلان عن تفاصيل القضية .. فى إستجابة سريعة لمتطلبات العصر .. الذى بات لا يعترف بالتكتم الشديد .. وأصبح مهددا بأن التجاهل ودفن الرأس فى الرمال كما كان يحدث فى الماضى لا يصلح للإستمرار .. وأن العشوائية فى النشر وربما التشهير بدون سند ولا دليل.. ستكون هى البديل عن حجب المعلومات .. وهو المأزق الخطير التى تواجهها مهنة الصحافة والإعلام فى الوقت الحالى ويهددها بزوال المصداقية بلا رجعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق