• أمام ثورتنا .. أسئلة كبيرة .. لا تقف عند السلفيين وضرباتهم .. ومصير المسلمات الجدد .. وملاعيب الإخوان .. ومناورات الثورة المضادة .. وتوهان القوى السياسية .. ولخبطة أولى الأمر .. وأهم سؤال هو مصير هذا الوطن .. مصير مصر بعد 25 يناير الثورة
  • لست ضد النوايا الطيبة للشيخ حسان وتابعه الشيخ صفوت حجازى وجولاتهما المكوكية فى ربوع مصر لحل ما استعصى على الدولة وما صعب على الحكومة وما فشل فيه أولى الأمر، لكن الدولة دولة قانون
  • أعرف جيدا .. أننى حزين الأن .. لإقتران لقب "أبو العيش" بأمور فساد مالى وإدارى .. بعد أن كانت مثالا للإقتصاد الرحيم .. والتنمية التى لا تنقطع .. ونشر الثقافة .. والتوعية بقضايا البيئة .. والأعمال الخيرية .. وأتمنى من الله .. أن تزول تلك الغمة بظهور الحق وبيان الحقيقة التى لا يحتكرها أحد الان
  • وبين الأب الذى "لم يكن ينتوى" .. والإبن الذى "كان ينوى" .. كانت هناك شهورا قليلة فاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية نفسها .. ولكن أيا منهما لم يكن قد أعلن عن تلك النوايا وكأن مصر ستظل أسيرة نواياهما
  • بينما أولئك المُصنفون "فرز تانى وتالت ورابع" من لصوص ومنافقين.. يحاولون تبديل وجوههم وتغيير مبادئهم وسلخ جلودهم القديمة كالثعابين والأفاعى

الأحد، ٤ أبريل ٢٠١٠

"الاكاديمية" .. بقعة ضوء ساطعة

التعليم هو السر .. هو كلمة البداية فى أى تنمية يمكن أن نرجوها لهذا الوطن .. تلك حقيقة يتفق الجميع بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الاتجاه الفكرى.

والتعليم ليس مجرد مناهج "تُصب" فى رؤوس فارغة .. ونتائجه أكبر وأعم من تلك الورقة التى نحصل عليها فى النهاية .. وتؤهلنا لدخول معترك الحياة من باب أرحب .. انه الطريق الممهد لكل انسان ليقدم رسالته فى الحياة .. ويستعرض ما أعطاه الله من امكانيات.

لم تغب تلك المعطيات عن خاطرى وأنا أتجول داخل مبانى الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى بالاسكندرية .. ذلك المكان العريق الذى ظل – بالنسبة لى - بقعة رمادية تنادى لمزيد من الاطلاع حتى أتيحت لى تلك الفرصة .. وتلك الزيارة.

ما وجدته على أرض الاكاديمية لم يكن مجرد تطوير للمفاهيم .. أو استغلال للإمكانيات .. ما رصدته هناك كان تحديا للواقع وسباقا مع الزمن .. لإجتياز تلك الهوة الرهيبة بيننا وبين العالم المتقدم .. وتقديم رسالة للبشرية والتقدم والعلم.

فى تلك الاكاديمية التى تتمتع بالغطاء العربي .. ودفء المقر المصرى .. واستقلالية التطوير .. لم يكن غريبا أن يجلس من يستحقون فى مقاعد القرار .. لم أشتم رائحة الواسطة فى أنفاس من قابلتهم هناك من العلماء والاساتذة الأجلاء والموظفين .. شعرت بأن قطع الميكانو الصغيرة قد تم تركيبها وفقا للمعادلة الحقة .. "الشخص المناسب فى المكان المناسب".

لذلك حينما إنتهت تلك الزيارة - التى لم يمنحها ضيق الوقت مزيدا من الإطلاع – وجدت نفسى مدفوعا لاعتبار تلك المؤسسة العريقة "بقعة ضوء" فى وسط النفق المظلم .. وليس فى نهايته.

بقعة ضوء يجب أن نحارب جميعا لنوسع مداها .. ونستفيد من طاقتها أكبر استفادة ممكنة .. لنستفد من تلك التجربة وتلك المبادئ التى لم تقف على عتبة الروتين .. لنعرف كيف نجحت .. وكيف أفادت المجتمع.

فى الاكاديمية علم متطور .. لا يعانى أمراض التخلف الفكرى .. وأساتذة مخلصون لديهم اعتزاز بالنفس وتقدير للذات .. وإيمان بأن ما يقدمونه رسالة وليس مجرد عمل مقابل أجر .. ووسائط لنقل هذا العلم تشعرك بأنه هناك أمل فى اللحاق بركب التقدم واستغلال التطور لخدمة الناس.

فى الأكاديمية وجدت أفقا رحبا للنجاح .. وقيادات لم تخجل من أن تختار شابا مبدعا لم يبلغ الرابعة والعشرون من عمره لمنصب مدير لأحد الإدارات .. دون الوقوف أمام سنه .. والبحث عن الشعر الأبيض فى رأسه .. وإنما التنقيب عن الأفكار والابتكارات والقدرات الخلاقة لديه.

فى الأكاديمية لم أشعر بأن من يدير له الأولوية فى شئ .. فقط شعرت بأن المبدأ السائد هو : انجح .. وتوكل على الله .. وتلمّس العلم .. ونحن معك .. ندعمك .. ونساندك ونعبر عن أمانيك لحياة أفضل.

فى الأكاديمية قابلت رجلا أدخلنى – بمنتهى اليسر - فى عالم التكنولوجية ومستقبل المالتى ميديا .. وكأنى فى قلب فيلم للخيال العلمى يخرجه الرائع جيمس كاميرون .. فيلم قابل للتحقق على أرض الواقع .. فيلم قصته عن "العلم .. وكيف يخدم التعلم".

فى الأكاديمية .. حسدت الدول العربية التى تستفيد من هذا الكيان .. وشعرت بأن العرب فعلوا شيئا يستحقون الاشادة عليه .. وأن الصورة ليست مظلمة .. ما دام هناك "بقعة ضوء بهذا التوهج".

لم تجب زيارتى للاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى .. احد المؤسسات التابعة لجامعة الدول العربية .. على علامات الاستفهام الرمادية التى كانت تبحث عن إجابات .. بقدر ما زرعت بداخلى علامات استفهام أخرى .. وتساؤلات أعمق حول أمرين اثنين لا ثالث لهما.

كيف تحقق هذا النجاح؟ .. وكيف نحقق منه الاستفادة الكبرى؟

صحيح أننى لم أطرح هذان التساؤلان بشكل مباشر على الدكتور محمد فرغلى رئيس الأكاديمية - الأمين المساعد لجامعة الدول العربية – لكنىى إستمعت الى وجهة نظر تحترم التخصص .. وتنتهج سياسة الباب المفتوح .. وتؤمن بالقدرات الكامنة فى من حولها .. وتتمتع بخيال خصب .. وجرأة فى الادارة .. لا يضاهيها سوى جرأة الاعتراف بالخطأ – إن وقع -.

لقد اختبرت فى جلستى مع الدكتور محمد فرغلى عدة مشاعر .. كنت "سعيدا" لما أراه يتحقق .. "فخورا" بان مصر هى التى تحتضن هذا النجاح .. لكننى ظللت "خائفا" من أن تنتهى موجة الاضمحلال السياسى للمكانة المصرية على المستوى الاقليلمى .. باختطاف الأكاديمية العربية .. الى وطن أخر .. لا يعتنق الروتين .. ولا يحاسب المسئول بالقطعة .. أو يعمل على عرقلة نجاحه .. لمجرد أنه تحقق بعيدا عن أعين الحكومة ومكاتبها .. وسيطرتها .. وتعقيداتها.

لكن أسوأ المشاعر التى سيطرت على .. - وكانت المدخل العملاق للسؤال الثانى : كيف نستفيد من هذا الكيان؟ .. هو "الشعور بالاحباط" .. فنجاح التجربة فى الاكاديمية واستفادة بضعة آلاف منها .. يؤشر الى إمكانية نجاحها على مدى أوسع .. فلماذا لا تكون مدارس مصر بنفس نظافة ونظام مبانى الأكاديمية .. لماذا لا تحترم جامعات مصر التخصص وتقدس العلم .. كما لمست فى الأكاديمية .. لماذا يستخدم الاساتذة فى مدارسنا الطباشير والسبورة العتيقة بينما هناك وسائط تعليمية قابلة لقيادة الانتقال المرحلى .. من مرحلة السبورة .. الى مرحلة .. القلم الرقمى.. ومن الكتاب المدرسى الكئيب والمليء بالأخطاء .. الى مرحلة الـ not book .. هناك خطوات انتقالية فى متناول أيدينا .. لكننا لا نستغلها .. وننتظر قطار الروتين وهو يقف تحت مكاتب الوزراء يستجدى توقيعاتهم للتطوير .. ويحسب حسابات المصالح .. ومراكز القوى والمافيا التى تشعبت فى حياتنا .. حتى منعت الأوكسجين عن كل بارقة أمل.

الغريب أن الأكاديمية لديها مثل هذا المشروع الانتقالى .. متمثلا فى استخدام الوسائط التكنولوجيا فى التعليم .. بل وانفقت ملايين الجنيهات على مشروع لبرمجة المناهج وبثها عبر الوسائط المختلفة (تليفزيون – انترنت – كمبيوتر) .. لكن وزارة التربية والتعلم لم تستفد منه - ولا حتى فى عز أزمة أنفلوانزا الخنازير التى أضاعت نصف العام على التلاميذ وفتحت الأبواب على مصراعيها لمافيا الدروس الخصوصية - .. وإكتفت الوزارة بقبول إهداء الاكاديمية لمشروع موقع "مدرستى" على شبكة الانترنت للمرحلة الاعدادية فقط .. ولم تدعم التجربة – الرائعة - أو حتى تمنحها الفرصة للانطلاق.

من هناك تولد الشعور بالاحباط .. فإذا كانت الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، مقيدة عن بسط اشعاعها الحضارى كنقطة ضوء .. لأسباب خارجة عن إرادتها .. فإن ما رأيته من تطور وانجاز قد لا يستفيد منه الوطن .. لأن بعضنا لا يطارد الضوء .. ويعشق السباحة فى الفضاء المظلم.

كانت المحصلة من زيارة مقر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بمقرها الرئيسي بأبو قير بالاسكندرية .. هو أن ذلك الكيان – الممكن – هو بقعة ضوء ساطعة فى محيطها العربي.

أكاديمية قادرة على التعامل مع مشكلات المجتمعات العربية .. ووضع حلول غير تقليدية لها .. لكنها فى الوقت نفسه مقيدة عن حرية الحركة .. رغم الدعم العربي الرسمى .. والدعم المصرى تحت الغطاء العربي .. بالقدر الذى يجعلها الأقل استفادة فى المحيط العربي رغم كونها دولة المقر.

ليس لقلة ما تقدمه الاكاديمية .. ولكن لعدم رغبة بعض الوزارات بالحكومة المصرية فى الاستفادة .. دون أن تبادر بفرض سيطرتها .. وإخضاع الأكاديمية – التى تعد هيئة دبلوماسية تابعة لجامعة الدول العربية – الى الروتين الذى ما زالت تعتمده كآلية عمل.

لذلك كانت مخاوفى من أن تلك الدوامة من الرغبة فى بسط النفوذ .. وفرض السيطرة .. واستخدام الروتين لتعطيل "المراكب السايرة" .. هى التى ستمنع استفادة دولة المقر .. من المقر وما يسطع منه .. وما ينجز فيه .. الامر الذى أصابنى بحالة من الإحباط "الإحترازى".

تخيلت مثلا أن مركز المحاكايات العالمى الذى رأيته على أرض الأكاديمية .. "وهو مركز عملاق يضم معامل لمحاكاة الظروف الواقعية لأية كوارث - محتملة - قد تصيب المجتمع .. فى البحر .. أو على الأرض .. او فى السماء".. قد لا يستفيد منه أحد .. ما لم تلح الأكاديمية على الدولة لتدريب كوادرها على مواجهة الكوارث.

وأن مركزا مثل مركز الوسائط المتعددة .. الذى يسخر العلم كوسيط لخدمة التعلم .. تستفيد منه كل الدول العربية أكثر مما تستفيد مصر دولة المقر – وهذا واقعا وليس خيالا - .. فتطلب الكويت اعداد مناهجها بتقنيات حديثة .. وتستعين المملكة العربية السعودية بكوادر المركز .. لتحويل المناهج الى تقنيات رقمية سهلة الاستيعاب والفهم .. عبر استخدام وسائط الصوت والصورة والرسم.

لكننى رغم "الاحباط" .. قد ضبطت بنفسى متلبسا بفعل "الحلم" .. فزيارة الأكاديمية جعلتنى أحلم بأن يصبح التعليم فى مصر على نفس هذا المستوى لكل تلاميذ وطلبة مصر .. من كلابشة وأداندان وتوشكى فى الجنوب .. حتى أطراف سيناء وقرى دمياط والاسكندرية وكفر الشيخ فى الشمال .. حتى وإن تلكف ذلك مليارات الجنيهات .. فإن لم ننفق على التعليم وإعداد المعلم والمدرسة والجامعة كل ما لدينا .. فعلى ماذا ستنفق مواردنا.

ضبطت نفسى أحلم بأن نستفيد من قدراتنا فى الاستعداد لرصد الأخطاء .. ومكافحة الكوارث .. قبل أن تقع .. وتطبيق معايير الأمن والسلامة – المتاحة لدينا – حتى لا تتكرر أحداث قاتلة مثل غرق العبارة السلام 98 .. أو سقوط الجبل فوق سكان منشية ناصر .. أو حوادث القطارات .. أو حتى مواجهة السحابة السوداء .. وحماية شواطئنا من التلوث .. ومواجهة أساطيلنا البحرية لعمليات القرصنة .. وكلها أمور يمكن لمن يزور الأكاديمية أن يدرك أن التعامل معها لم يعد مستحيلا.

ما شاهدته فى أبو قير مقر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى .. أثبت لى بالدليل القاطع .. ان النجاح فى هذا الوطن ليس مستحيلا .. وأن استغلال النجاح متاحا لمن يجتهد .. ولكن من يدرك؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
خد عندك © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates