لماذا لا يتولى حسن شحاتة رئاسة الحكومة
· ما فعله المعلم ليس كرة قدم فقط ..بل قيادة نزيهة وتحمل للمسئولية وانكار للذات وتوفير للبدائل وتركيز على المستقبل
· وحدها كرة القدم هى التى تخرج الأغانى الوطنية من الأدراج وتلهب الحناجر باسم مصر الذى نستعمله يوميا حتى ينفذ
لا أعرف على وجه التحديد ما الذى كان مطربو ومنتجو الأغانى الوطنية سيفعلوه، لو لم تكن هناك كرة قدم تحقق بطولات قارية وعربية فى مصر .. فبطولات النادي الاهلى ومنتخب مصر وحدهما، استوعبا على مدار السنوات الثلاث الماضية عشرات الاغانى الوطنية التى لم تكن ليعرف سببا ولا مبررا واحدا لتكرار اذاعتها الا على خلفية هدف يحرزه أبو تريكة ورفاقه أو انقاذ خرافى لعصام الحضرى، حتى أصبحت كرة القدم ولا غيرها هى سبب البهجة فى حياة المصريين، والسبب الوحيد تقريبا للصراخ باسم "مصر" واستطعام الكلمة بمشاعر وطنية والخروج بأعلام المحروسة للشوارع.
وحدها كرة القدم تفعل ذلك .. ووحده حسن شحاتة المدير الفنى لمنتخب مصر وفريقه هو الذى منحنا الاسبوع الماضى أكبر قدر من الفخر ربما لم نشعر به منذ انتصار اكتوبر ان لم أكن مبالغا .. فشحاتة ورجاله وضعوا أنفسهم تحت طائلة "المحترمين" وصار من الطبيعى أن نشير اليهم ونحن نقول "هؤلاء مصريون نفخر بهم" فى زمن قلت فيه دواعى الفخر ورجاله.
وليس المكسب المدوى لمنتخب مصر على أفيال ساحل العاج وحده هو السبب وراء هذا الشعور .. ولكن مصدر الفخر كان اعادة الفريق الوطنى لايماننا نحن المصريين بأن العمل الجاد ينتهى الى النجاح وأن من جد وجد ومن زرع حصد ومن آمن بقدراته صنع المستحيل ومن أحب وطنه بذل من أجله العرق .. الى أخر منهج التربية الوطنية الذى ألغوه وكأنهم قرروا نزعها منا.
لم يكن اكتساح أقوى فرق القارة العامرة بنجوم الملاعب الأوربية وحده هو السبب فى فخرنا نحن المصريين، ولكن الروح التى صنعت هذا الفوز والتى أصابت الناس بحالة من توارد الخواطر حول المغزى السياسي لهذا الفوز، وتفكير 70 مليون مصرى فى سؤال واحد .. ماذا لو تولى حسن شحاتة المدير الفنى لمنتخبنا قيادة الحكومة بدلا من أحمد نظيف وصحبه ممن منحونا الهم والغم والاحساس بالهزيمة والانتحار.
نفهم بالطبع أن كرة القدم ليست مثل ادارة الدول ورئاسة الحكومات، ولكن يخطئ من يعتقد أن ما فعله حسن شحاتة مجرد كرة قدم وخطة لعب بالاعداد والقاءها على الورق لتصبح 4-2-4 حينا أو 3-5-2 فى أحيان أخرى، ولكنه صناعة الارادة التى نحتاجها، والاصرار على النجاح الذى نتمناه، ومحاربة الاحباط الذى يشلنا، واسكات أعداء النجاح المنتشرين فى هذا الزمن مثل الكوليرا فى عصور "الوباء".
هل رأيتم أبناء حسن شحاتة وهم يسجدون شكرا عقب كل هدف .. هل رأيتم أحمد فتحى وهو يدعو رفاقه لشكر الله على النجاح .. هل لاحظتم كيف تصرف شحاتة برقى النبلاء حين أجل فرحته حتى يواسي خصمه جيرار جيلى مدرب ساحل العاج .. هل شعرتم بذراع حسنى عبد ربه وهى تحتضن بوكا لاعب الأفيال بعد المبارة لتتمنى له حظ اوفر، هل سمعتم عصام الحضري وهو يقدر المنافس ويرجع النصر لزملائه بدلا من الانفراد بالحديث عن عبقرته التى لا تتكرر .. هل أسعدكم تصرف أبو تريكة الذى قلب العالم بجملة كتبها على قميصه تدعو للتعاطف الى غزة، قبل أن ينشغل الناس بالبطولة وينسون أشقائهم المحاصرون فى الظلام الدامس بلا دعم ولا رحمة.
ألا يلفت نظركم الرقى الأخلاقى لهؤلاء الشباب القادم من طبقات المجتمع المختلفة وهم يقدمون كرة نظيفة .. ويقول لكم أن الامر ليس كرة قدم فقط .. إنه القيادة .. ونزاهة القرار .. وجودة الاختيار .. وتحمل المسئولية .. وتوزيع المهام .. وحسن تقدير المواقف .. وانكار الذات .. والاستعداد للأوقات الصعبة .. وتنسيق الجهود .. وتوفير البدائل .. واللجوء الى الخبرة عندما يحين وقتها .. والتركيز على المستقبل.
نعم لقد فعل حسن شحاتة ورجاله كل ذلك .. فتألقت الاغانى الوطنية وخرجت الأعلام وانجرحت الحناجر من فرط الصراخ باسم الوطن .. كان لإسم مصر وقعا مغايرا للاسم نفسه الذى نردده يوميا دون أن نتوقف امام قيمته فى حياتنا ولا وزنه النسبى فى مصيرنا وكأنه نوع شيبسي جديد، أو شامبو 4 فى 1 نستخدمه حتى ينفذ، ولا نتذكره الا اذا جاء أمامنا.
نعلم عدم عدالة المقارنة بين المعلم حسن شحاتة ومن يقودوننا .. لكننا نسجل هنا حبنا وتقديرنا لمن وهب المصريين فخرا بمصريتهم وأرضهم وعلمهم .. فخرا لا يقدر بثمن .. هؤلاء الذين خرجوا من بيوتهم ليس للاحتفال بفوز على فريق منافس .. ولكن احتفالا بالروح والانتماء.
يبقى فقط أن نؤكد أن تلك الكلمات كتبت قبل المباراة النهائية مع الكاميرون .. وأيا كانت نتيجتها فإنه يكفى شحاته وصحبه ومن معه ومن ورائه أنهم منحونا لحظة فخر بمصريتنا التى كنا نعتقد أنها غرقت مع عبارة الموت ومراكب الهروب من مصر أو احترقت داخل قطار العياط أو قتلها فيروس سي وكوكتيل الأمراض المتوطنة فى جسد المحروسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق