حماس هى الرابح الأكبر من أزمة الحدود وتضغط لانتزاع اعتراف بسيادتها على القطاع
النظام المصرى حائر بين علاج أزمة الحدود وضغوط اسرائيل.. وحماس تطرح تكرار السيناريو مرة اخرى
سلطة أبو مازن ترفض مشاركة حماس فى ادارة الحدود.. والحركة تشدد على تأثيرها فى امن مصر القومى
أبو الغيط يهدد على شاشات التليفزيون بكسر ساق من يهاجم حدودنا.. وحماس تدعوه الى كسر الحصار أولا
الاخوان قادوا الحملة الاعلامية لعملية اقتحام الحدود.. والمرشد يطالب بحفظ أمن مصر قبل أمن اسرائيل
حسن الزوام
القضية الفلسطينية.. أهم الملفات الاقليمية التى تسكن فى القلب والعقل السياسى المصرى، واكثرها تأثيرا على الأمن القومى، لذلك تتصرف مصر من منطلق خبرتها الكبيرة بكافة عناصر هذا الملف وعلى خلفية سابق تعرضها لكافة انواع الضغوط فيه، بما وفر لها مع الزمن واقيا من الصدمات والنتائج الدرامية.
ولكن فى الأزمة الاخيرة والتى نتجت عن ضغط اسرائيل الزائد عن احتمال البشر على سكان قطاع غزة، وممارسة سياسة الإعدام الجماعى بحق مليون ونصف المليون مواطن وحصارهم وتجويعهم، وقعت القضية عن قصد ونية شيطانية فى "حجر" مصر، حين فجر الفلسطينيون الحدود المصرية التى كانت مغلقة فى وجههم، بحثا عن الحياة وهربا من الموت جوعا أو مرضا أو اختناقا.. فى تصرف بشرى المظهر.. سياسى الأهداف، واجهته القيادة المصرية بحكمة بالغة، حينما سمحت لسكان غزة باستيفاء احتياجاتهم العاجلة، لكنها فى الوقت نفسه لم تغفل الجانب السياسى فى الأزمة وهو انتقال أزمة غزة التى تعد من أكثر مدن العالم كثافة سكانية الى مصر.
ومصر "أهم الاطراف الخمسة فى أزمة حصار قطاع غزة الفلسطينى" فى موقف صعب أقرب ما يكون لـ"الورطة" فى مواجهة كافة الأطراف الاخرى الداخلية او الخارجية التى لها علاقة مباشرة بالأزمة وهى اسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية وجماعة الاخوان المسلمين.
وتواجه مصر مخططات تل أبيب بعزل القطاع والتخلص من أعبائه مع الاستمرار فى عمليات تصفية كوادر المقاومة به، بمعنى جعل تدفع مصر فاتورة احتلال اسرائيل للاراضى الفلسطينية بربط القطاع اقتصاديا وأمنيا مع مصر، وهى مخططات تاتى فى إطار العلاقة المتدهورة مع القاهرة منذ عام تقريبا، فواجهت بحسم الانتقادات الاسرائيلية حول فتحها الحدود امام سكان غزة، بالتأكيد على ان هذه الازمة اسرائيلية الصنع بالكامل، دون أن تنسى القاهرة تحويل الدفة الى البرلمان الاوروبى الذى أصدر تقرير أدان فيه انتهاكات حقوق الانسان بها، بمطالبته بالرد على ما تقوم به اسرائيل من انتهاكات واعتداءات على الفلسطينين.
أما حركة حماس التى تنفرد بقيادة "دولة غزة" فى مواجهة السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" التى تحكم الضفة الغربية، فحرصت على توظيف الضغط الاسرائيلى الخانق، الذى انفجر فى اتجاه الحدود المصرية، لاحكام سيطرتها على القطاع، وحصد ادانة دولية جديدة لاسرائيل، واحراج سلطة عباس الفلسطينية و«حركة فتح» التى طالبت بايقاف المقاومة.
وبشكل عملى خرجت حماس من أزمة غزة منتصرة على حد وصف صحف أمريكية مثل "كريستيان سياينس مونيتور" التى نقلت عن محللين سياسيين أن حماس كسرت عزلتها وأصبحت فى وضع تفاوضى أقوى باعادة تعريف نفسها بأنها الوجهة الوحيدة للتفاوض فيما يتعلق إدارة الحدود بين مصر وقطاع غزة.
فى المقابل كانت مصر واضحة فى ايصال رسالتها بأن ما حدث من اقتحام لحدودها لا يجب أن يتكرر، وجاءت التصريحات الرسمية حتى مطلع الاسبوع الجارى حاملة تهديدات دبلوماسية من وزير الخارجية أحمد أبو الغيط بأن مصر ستكسر ساق أى فرد يجرؤ على اقتحام حدودها مرة أخرى، وهى التصريحات التى قابلتها الحركة بطلب كسر الحصار الاسرائيلى بدلا من كسر سيقان المحاصرين.
وأكد أبو الغيط أن مصر لم ولن تعترف بسيطرة حماس على قطاع غزة وان السلطة الشرعية للفلسطينيين هى التى يرأسها محمود عباس، وأن حماس لن يكون لها أى دور، فيما أستخدمت حركة حماس بالمقابل لهجة حادة فى تهديدها لكل من يحاول تجاوزها فى ترتيبات معبر رفح الحدودى الفاصل بين الأراضى المصرية وقطاع غزة المحاصر منذ أشهر، مؤكدة أن لديها أوراقا كثيرة لم تستخدم إلا القليل منها، وأن الشعب الفلسطينى لن يسمح بعودة الأوضاع السابقة على معبر رفح الحدودى مهما كلف ذلك من ثمن.
وتكمن الازمة المصرية فى التعامل مع مشكلة الحدود مع قطاع غزة، ان حركة حماس المسيطرة على الوضع هناك باتت هى المتحدث الرسمى الوحيد باسم القطاع، وبالتالى اذا ما أرادت مصر اعادة صياغة اتفاقيات حدودية حاسمة فى رفح، فإن عليها أن تتفاوض مع حركة حماس، بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية مشاركة حماس لها فى ادارة المعابر واصرارها على الاتفاق الذى تم توقيعه عام 2005 فى مرحلة ما بعد انسحاب اسرائيل من القطاع، وهو الاتفاق الذى انهار مع سيطرة حماس وخروج سلطة الرئيس ابو مازن من الصورة، خاصة مع تأكيد حماس فى اكثر من موضع على خطورة ما يسيطرون عليه بتكرارهم عبارات من قبيل "أن قطاع غزة هو عمق لمصر من الواجب علينا أن نحافظ عليه" وأن نجلس سويا (حماس ومصر) لبحث إدارة سليمة للحدود تسمح بأن ينتقل الأفراد والبضائع.
ويمثل التفاوض مع حماس فى حد ذاته معضلة داخلية نظرا للتعامل مع الحركة بوصفها جناحا خارجيا لحركة الاخوان المسلمين التى يطاردها النظام ويتهمها بأنها محظروة قانونيا ولا يحق لها لعب دور سياسى على أساس دينى، وهو ما يعد اعترافا بالحركة والجماعة فى آن واحد، خاصة بعد أن التقى نبيل شعث ممثل الرئيس الفلسطينى محمود عباس "أبو مازن" قيادات الاخوان فى القاهرة قبل أيام لبحث فكرة إجراء انتخابات جديدة بفلسطين ودعوته لتدخل قيادة الإخوان فى مصر لحث حماس على قبول الفكرة.
كما لعبت الجماعة الأم دور قيادة الرأى العام مع وصول الحصار الاسرائيلى على غزة الى مرحلة قطع التيار الكهربائى عن القطاع، من خلال اخراج الجماعة لمظاهرات كبيرة فى القاهرة والمحافظات فى نفس وقت اقتحام عناصر حماس للحدود المصرية وتفجيرها.
إعلاميا.. واجه النظام المد الاخوانى فى وسائل الاعلام بتصعيد اعلامى مضاد وكثفت البرامج التليفزيونية والصحف الحكومية من لهجتها الحادة ضد الفلسطينيين بعد قيام عناصر من حماس باطلاق الرصاص على الجنود المصريين، حتى وصل الأمر الى اعتبار أن ما نشر حول مشاورات عربية لادخال تعديلات على القوانين المنظمة لعمل الفضائيات العربية و"تقليص الحريات" كان بسبب التأييد العربى الشعبى لحادث اقتحام الحدود المصرية مع قطاع غزة، وتدمير السور الفاصل بين الجانبين.
فى الوقت نفسه حافظ النظام على هدوءه الشديد حيث لم تتزامن الحملات الاعلامية مع أى عقاب مصرى لمئات الالاف من الفلسطينيين الذين عبروا الى رفح المصرية أو الاحتكاك بهم فى تصرف سياسى حكيم، أجبر جماعة الاخوان المسلمين الى اعادة ترتيب أوراقهم وتوجيه الشكر للقيادة السياسية لموقفها من سكان غزة المحاصرين والسماح لهم بشراء احتياجاتهم العاجلة من مصر قبل اغلاق الحدود مرة اخرى.
وجاءت التحركات الاعلامية للاخوان وفى مقدمتها تصريحات المرشد العام للجماعة مهدى عاكف لتصب فى خانة الضغط على النظام المصرى لاتمام اتفاق الحدود مع حماس، والتأكيد على أولوية مراعاة الأمن القومى المصرى قبل الأمن القومى لاسرائيل، والاتزام بتنفيذ وعد الرئيس مبارك بعدم تجويع الفلسطينين، أو المشاركة فى حصارهم على اعتبار أن هذا يأتى فى صميم الدفاع عن الأمن القومى، دون أن ينسى المرشد إدانته للاعتداء على الجنود المصريين، ومطالبة الفلسطينيين بعدم تكرار ذلك.
وتواجه مصر مخاطر المخطط الاسرائيلية باعادة احتلال غزة طلما أن حماس هى المسيطرة على القطاع، وخاصة بعد أن نسف السماح المصرى بدخول الفلسطينيين لقضاء حاجاتهم الانسانية، خطط ومعادلة تل أبيب التى كانت ترهن كسر الحصار على غزة بوقف اطلاق الصواريخ، وذلك خشية تكرار عملية ترحيل الأزمة الانسانية التى ستتفاقم بالطبع الى الحدود المصرية، وهو ما قد يواجه وقتها بتدخل امنى مصرى يمنع الاجتياح الثانى، لتصبح مصر طرفا دون ارادتها فى وضع الفلسطينيين بين الغزو الاسرائيلى والدفاع المصرى عن الحدود، ويساوى بين الدولة المحتلة صانعة الازمة، ومصر التى تدفع فاتورتها، وتعيش أزمة ضمير وأزمة أخلاقية على حد تعبير القيادى بحركة حماس محمود الزهار.
وتبقى احتمالات نهاية هذه الازمة مفتوحة على مصراعيها وتتأرجح بين استمرار حصار القطاع حتى أقرب موعد لتفجير الحدود مرة اخرى على وقع الغزو الاسرائيلى المرتقب، أو استمرار الحصار مع السماح بدخول المعونات ومواد الإغاثة وفقا لحجم الصورايخ التى ستطلقها حماس على المستوطنات الاسرائيلية، أو إتمام اتفاق مع حماس يضغط على سلطة عباس وتل أبيب معا وينسف آليه الحصار الاسرائيلية فى معاقبة الفلسطينيين من جذورها، فى حين يظل الاحتمال الاخير فى مواجهة هذه الازمة هو عقد مصالحة فلسطينية تفضى الى انتخابات جديدة وواقع يمهد لمفاوضات سلام لا نهائية، فى ظل استحالة احتمالات القاء غزة فى حجر مصر، لما فى هذا الاحتمال من مخاطر قد تفضى الى اشتعال حرب جديدة فى المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق