البيان الأول لثورة "الريحان"
وحدها صمدت أعواد الريحان المزروعة بميدان التحرير شامخة أمام طوفان الغاز المسيل الذى أطلقته قوات الأمن لتفريق المتظاهرين .. وحملت وحدها عبير الوطن الذى سالت دموعه .. وتحشرجت أنفاسه .. وبقى صامدا.
لم يفكر الذين خرجوا مندفعين بقوة المجموع .. معبرين عن غضبهم ونفاذ صبرهم .. فى تفاصيل بيان ثورتهم الأول ان نجحت .. ولا مصيرهم إن فشلت .. ولكنهم اندفعوا بدموعهم قبل أن تسحبها قوات الأمن غصبا .. وهتفت حناجرهم حتى شقها التعب.
خرجت أكبر قلة مندسة فى تاريخ مصر الحديث لتقول لا للظلم .. نريد عدالة اجتماعية .. نريد حرية .. نريد مشاركة .. نريد كرامة .. وحمل المتظاهرون أعواد الريحان يستنشقون منها عبير وطن حر .. فى استراحة بين قنبلة دخان .. وقذيفة صوتية.
كل مصر كانت هناك .. شباب وكبار .. بنات ونساء .. أغنياء وفقراء .. خريجى تعليم حكومى كسيح .. وأجنبى رفيع .. متدين .. ومتحرر .. صاحب اللحية .. وصاحب الضفيرة .. فنانين وجمهور .. سياسيين وعفوين.
كلهم كانوا هناك .. ولم يكن منهم أحدا يفكر فى بيان لثورتهم إن نجحت .. فقط كانوا يتبادلون الحلول .. ويضعون أنفسهم مكان النظام .. ويتناقشون .. دون موجه أو دون قيادة.
كانوا يحلمون بظهور مبكر بالرئيس .. يقول لهم "فهمتكم" .. سأعين نائب للرئيس .. وأكمل فترتى الرئاسية .. وأترك لكم حرية الاختيار من بعدى .. سأحل البرلمان الذى سرقوه منكم .. وسأعين حكومة جديدة من شخصيات محترمة وأمنح رئيسها صلاحيات أوسع .. ولن أترشح فى الانتخابات القادمة .. ولن أزكى ترشيح نجلى فيها.
لكن الرئيس تجاهلم وأجرى اتصالات مع ملوك ورؤساء لبحث التطورات فى لبنان وفلسطين .. وكأن أولئك الذين خرجوا للشارع .. ليسوا من مصر التى يحكمها .. أن مطالبهم لا تمت له بصلة .. وتبارى من حوله فى تسفيه ما يحدث على الأرض .. وتوزيع الاتهامات .. والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور .. وحشد الأكاذيب فى وسائل الاعلام كافة .. والسيطرة على هواء مصر .. وحجب مواقع بعينها .. وإيقاف شبكات الاتصالات.
ان ثورة الريحان .. غضب بلا بيان .. غضب نقى .. ينتظر فى المرحلة الحالية أن تصدر أولى بياناتها من جانب السلطة .. لتقول ماذا ستفعل؟
فهل فى الأفق أمل أكثر من ذلك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق