حُكّام "الأتّة المَحلولة"
نعيش تلك الأيام أجواءً عربية ساخنة، فى سبيلها إلى احتمالين لا أكثر، أولهما أن تتحول السخونة إلى لهيب حارق ينتشر فى الحدود من الخليج إلى المحيط انتشار الهشيم، أو أن تفتر فيبقى الوضع على ما هو عليه فاترًا بلا حراك، فلا هو بَعث الدفء فى أوصال أطراف تجمّدت من فرط الاستقرار، ولا صَنع تغييرًا تمتد تأثيراته إلى الأجيال القادمة.
الأجواء التى نعيشها "حاسمة" فى عمر الشعوب.. فمنذ انتفاضة الشعب التونسى التى أطاحت بواحد من حكّام العرب الذين تعاملوا مع ثروات شعوبهم وفقًا لنظرية "الأتة المحلولة"، فخلطوا بين العام والخاص .. والمنصب والذات.. ومفهوم الثروة وموارد الدولة.
فى عواصم العرب من شرقها إلى غربها، هناك مُداولات فى مطابخ السياسية شعارها: "انحنى للموجة حتى تمر".. فموجة الغضب المكبوت فى صدور الشعوب العربية أصبح لديها نموذج يمكن تطبيقه للخلاص.. وأولئك الذين قنطوا من رحمة الله، وفقدوا القدرة على الحلم بمستقبل أفضل لأبنائهم، وارتضوا أن تستحل مُقدراتهم من خلال "عصبة" محدودة تَحْلِب مواردهم.. وتزداد غنى بينما يغوصون هم فى أوحال الفقر.. صار لديهم أمل فى أن يصنع غضبهم واقعًا جديدًا.
نعيش فى أيامنا تلك "فوضى" فى قصور الحُكم، أظهرت أن هناك أزمات يمكن حلها.. وأسعار مُلتهبة يمكن مواجهتها بقوانين.. وآلاف الوحدات السكنية التى يمكن أن تُمنح بالمجان للمواطنين، وخطط رأسمالية يمكن تأجيلها من عينة رفع أسعار الطاقة.. ورفع أسعار الخدمات فى المستشفيات العامة، وكأن ما حدث فى تونس كان كاشفًا لفساد هنا أو ظلم هناك.. وضوء ساطع على محاولات سطو جديدة كانت تُدار فى الخفاء.
كل الشعوب فى عواصم العرب من الجزائر إلى الكويت، مرورًا بالقاهرة وعمان وصنعاء، قررت أن ترفع من حدة غضبها، بحثًا على العدالة، وضد الفساد، لا يهمهم من يحكم.. ولكن كيف سيحكم.. وكم سيكون عادلاً.. رافعين مبدأ "ضربوا الأعور على عينه، قال: خسرانة خسرانة".. فإن أسفر غضبهم عن صياغة تغيير سياسى كما حدث فى تونس.. فإنهم سيكونون قد حققوا أكثر من هدف بضربة واحدة.. فغيّروا الحاكم.. وأعلنوا عن قوتهم.. وأصبحوا هم الرقيب الحقيقى على من يحكمهم.. وشاركوا فى صياغة المستقبل الذى يحلمون به.
وإن لم يسفر غضبهم عن التغيير السياسى، فإنهم أيضًا رابحون، لأن أنظمتهم ستُفكر.. وتظل تُفكر فى كيفية عبور تلك الموجة الغاضبة.. بتأجيل فسادهم إلى حين، ومنح الشعب جزءًا من حقوقه، حفاظًا على مقاعدهم ومصالحهم.. وكنوزهم.. و"أتَّتهم المحلولة".
إن الزمن الذى نعيشه.. وسنعيشه.. هو زمن الشعوب.. قد تضل الشعوب أحيانًا.. ولكن الأكيد.. أن عصرنا هذا هو أكثر عصور الكوكب -منذ أن نشأ مفهوم الدولة- الذى تقود فيه الشعوب أنفسها، أو على الأقل تحاول ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق