فى الوقت الذى تحاول فيه الدولة إشاعة حالة من الاستقرار فى سياساتها المالية عبر زراعها النقدى وهو البنك المركزى - الذى حمى بسياساته الرقابية المتشددة القطاع المصرفى المصرى من تبعات الأزمة المالية العالمية – من خلال ثبات معدلات الفائدة على الودائع فى البنوك بما يدعم قدرة البنوك على مواجهة التزاماتها بضخ التمويل اللازم لتحقيق النمو الذى تسعى اليه الدولة، فإن الأذرع التنفيذية للدولة متثملة فى الوزارت المختلفة تتعامل بمعزل عن القرار الاقتصادى الشامل فى مصر أو تتصرف بمنهج حل مشكلاتها أولا .. ومعالجة ما سيسفر عن تلك الحلول مع الوقت.
الحكاية ببساطة أن الدكتور يوسف بطرس غالى أعلن اليوم أن الدعم سيرفع كليا عن الطاقة، فى غضون 5 سنوات أو سبعة سنوات أقصى تقدير .. سبقه المهندس رشيد محمد رشيد بالتأكيد على رفع الدعم عن الطاقة الموجهة للصناعات كثيفة الاستهلاك بحلول العام القادم.
والازمة فى رفع الدعم عن الطاقة .. سواء التى تستخدمها المصانع فى غضون عام .. او أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعى بوجه عام فى غضون 5 أعوام .. ليست فقط فى ارتفاع أسعار الطاقة فى مصر لثلاثة أمثال الأسعار الحالية .. ولكن فى تأثيرها على إرتفاع أسعار كل شئ على أرض مصر أو ما يسميه الاقتصاديون بإرتفاع المستوى العام للأسعار بالنسبة للسلع والخدمات ومعدل التضخم.
ومعدل التضخم هذا قصة فى حد ذاته .. لأنه يرمز ببساطة الى مدى قدرة الاموال على الاحتفاظ بقيمتها الشرائية فى مواجهة الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار، وكلما انخفض قدرة الجنيه المصرى على شراء السلع والمنتجات فإن ذلك يعنى ارتفاع نسبة التضخم.
وبالنسبة لـ"المركزى"، فإن أحد أهم ثوابت سياسته النقدية هو الدفاع عن استقرار المستوى العام للأسعار، من خلال رصد معدل التضخم باستمرار بلا كلل ولا ملل، والعمل على خفضه عن معدلات الفائدة على الودائع فى البنوك .. وتلك قضية أخرى خطيرة وبسببها تظهر بلا انقطاع قضايا توظيف الأموال.
ولشرح تلك الفكرة ببساطة نقول أن المواطن الذى يملك 1000 جنيه ويضعها فى البنك لمدة عام يحصل على فائدة معينة ولتكن مثلا 7% .. وبالتالى فإن قيمة أمواله بنهاية العام وهى المبلغ الأصلى بالإضافة الى قيمة الفوائد لن يتجاوز 1070 جنيه، وإذا ما قورن هذا المبلغ بمعدلات ارتفاع الأسعار أو بنسبة التضخم التى تصل أحيانا الى 20%، فإن أمواله هنا تجنى فوائد سلبية من وضعها فى البنوك، نتيجة انخفاض قيمتها .. ومن هنا تظهر شركات توظيف الاموال التى تعد المودع بنسبة فائدة ايجابية تتجاوز أعلى معدل للتضخم وترفع قيمة النقود، وهى القضايا التى تفضى الى النصب فى أحيان كثيرة.
وإذا أقدمت الدولة على إجراء رفع الدعم عن الطاقة وأدى ذلك الى ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم .. فإنها تجبر البنك المركزى على هدم مقومات الاستقرار المصرفى والنقدى التى عمل على ايجادها طوال السنوات الماضية، ويهدد البنوك بحملة من الفوائد الاعلى التى ستفرض على تحملها لموجهة إرتفاع الأسعار، أو التعرض لحملة من سحب الودائع لمواجهة الالتزامات الناجمة عن ارتفاع الأسعار الحتمى نتيجة رفع أسعار الطاقة.
ولأننى لست بصدد الدفاع عن دعم الطاقة الذى تذلنا به حكومة المستثمرين ليلا نهارا .. وأرجو من الله أن يرحمنا من كل ما تدعمنا به حتى نحاسبها – على مية بيضا – إلا أننى أتخوف كثيرا من يكون هناك صراعا بين واضعى السياسات النقدية الباحثين عن الاستقرار من جانب.. والباحثين عن سد العجز فى موازنة الدولة من جانب أخر .. يسفر عن قرارات فجائية عشوائية إضطرارية يذهب ضحيتها المواطن المطحون .. خاصة أن الدولة فقدت كل أسلحتها الرقابية فى مواجهة المستثمرين والتجار فإنفجرت الأسعار فى وجه الجميع .. ويبدو أن القادم أسوأ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق