"قل" الجماعة فى غيبوبة … و"لا تقل"المرشد فى الانعاش
الخطايا العشر للاخوان المسلمين
طرحوا أ نفسهم كبديل للسلطة الشمولية .. ومارسوا الديكتاتورية بداخلهم واعتبروا انفسهم هم الاسلام
على سرير ابيض فى غرفة معقمة معلق على بابها لافتة باسم العناية المركزة بمستشفى النزهة بمصر الجديدة يرقد الاخوانى المناضل طيلة عمره البالغ 82 عام فى حالة غيبوبة .
على السرير الابيض يرقد جسد مصطفى مشهور المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين - التى يقال عنها انها محظورة - حيث اصيب بنزيف فى المخ يوم الثلاثاء الماضى بعد ان تعب العقل من احمال المسئولية وضراوة قيادة جماعة فى حجم الاخوان .
وفى الغرفة لا ينفرد المرشد العام وحده بحالة الغيبوبة بل ان جسد الاخوان بالكامل ككيان ممدد بجواره يعانى من سكرات الموت يخشى الاصابة بالشلل او فقدان الذاكرة .
فالجماعة التى تجاهلت امراضها على مدى السنوات العشر الماضية واعتمدت على مسكنات الالم والعلاج بالبتر اصبح لزاما عليها البحث عن حل من اثنين اما العلاج الكامل او الاعتراف بالموت والفناء .
نعم هذا هو الواقع فالجماعة تمر الان بمرحلة خطرة تشبه المرحلة التى جاءت بعد اغتيال حسن البنا مؤسس الاخوان المسلمين عام 1949 حين ظلت بدون مرشد عام لعدم الاتفاق بين الاطراف على شخصية من يتولى وهو ما قد دفع الجميع لاختيار من يمثل هذه الاطراف رمزياً وإن لم تكن له قوة حقيقية داخل الجماعة فقط لضمان الاستقرار فكان المستشار حسن الهضيبى والد مأمون الهضيبى مع خالص الاعتراف بالفارق بين مشهور والبنا لكنه تشابه ظروف وليس تشابه حروف واسماء.
فمرض مصطفى مشهور لم يكن وحده الالم الذى يواجه الجماعة الان بل ان اوجاع الاخوان ممتدة منذ سنوات والانشقاقات ضربت الكيان الذى كان متماسكا واختلاف وجهات النظر بين الاجيال المختلفة اصلا تحولت الى صراع له اصوات وطرقعات بعد ان فقد اعضاء الجماعة نعمة الحوار والشورى واصبح الجسد الاخوانى يعانى من نفس امراض السلطة وظهر الكهنوت فى صفوف القيادة .
ولكن جاء مرض المرشد – وبالمناسبة ليس الاول خلال عام مضى على الاقل بل انه تكرر ثلاث مرات واذكر اننى فى لقاء مع المستشار مأمون الهضيبى سألته عن صحة المرشد فأشار الى مشهور وكان يستعد لامامة المصلين بان صحته " بمب " وعندما نظرت الى هذا البمب عرفت ان انفجاره وشيك – المهم ان مرض مشهور الاخير والخطير سيعيد طرح كل ما سكت عنه الاخوانيون بكل فصائلهم من شباب ورجال وقادة وشيوخ حول عمل الجماعة ودورها السرى وحجمها العملاق بدون فائدة مثل ديناصور ضخم له عقل عصفور .
ففقد شيوخ الاخوان دورهم وسقط مبدأ الطاعة العمياء الذى غرسوه فى عقول شبابهم ولم يعد هناك من يستطيع وقف التحركات التى تمزق الجماعة بين التيار الليبرالى الذى يدعو للخروج من نفق العمل السرى وضرورة العمل فى اطار ظاهر حتى وان كان دعوى لا يمارس السياسة بشكلها التنظيمى البحت ويطالب بضرورة ايجاد صيغة للتعامل مع السلطة والتكامل مع الدولة كما ينادى المحامى مختار نوح القيادى النقابى المعروف بدلا من الصيغة الحالية التى لا يدفع ثمنها الا القيادات المتحركة مثل عصام العريان وعبد المنعم ابو الفتوح ومختار نوح وخالد بدوى ومحمد على بشر وغيرهم ممن ذاقوا مرار الاعتقال بينما ظل الكبار فى مأمن من السجن .. وبين التيار القطبى نسبة الى سيد قطب وهو الفصيل التائه فى المساحة بين الاعتدال الظاهرى للاخوان وعنف الجماعات الاسلامية المسلحة مثل الجهاد والجماعة الاسلامية وهى الجماعات التى جاءت من صلب الظهر الاخوانى فى المعتقلات .
ويرجع هذا التمزق فى الاساس الى غياب الديمقراطية والشورى بين افراد الجماعة وهو ابرز ما يفتقده الجيل الثانى داخل الاخوان بعيدا عن الالتفات لمن يقدمون فروض الولاء والطاعة بشكل عاطفى ساذج وفى ظل حالة من العداء التى يوجهها شيوخ الجماعة لمن يملك رأيا اخر .
اما المرض الاخر فى الجسد الاخوانى فهو الاعتقاد بان الجماعة هى الاسلام والاسلام هو الجماعة وان من يعارض الاخوان يعارض الاسلام تلك الحالة التى ادرك جيل الشباب والوسط الذى يقوده المهندس ابوالعلا ماضى والمحامى عصام سلطان انها تعزل الجماعة عن التفاعل مع المجتمع الذى يرفض تعميم الامور وتسطيحها كما يرفض العمل السرى ايا كان شكله ومضمونه اسلاميا ام اخوانيا او حتى شيوعيا ماركسيا ناصريا .
هذا الانعدام فى الحوار اسفر عن خلاف حاد فى اعقاب ظهور يوسف ندا فى قناة الجزيرة متحدثا عن الاخوان بوصفه منسق العلاقات الخارجية وهو المنصب الذى كان يجهله عدد من قيادات مكتب الارشاد فى مصر اصلا وكانت المفاجأة ان هذا المنصب كان بتكليف من المرشد العام وبعض الشيوخ فى الجماعة دون غيرهم .
والنتيجة فى كل ذلك ان اختفت الجماعة من الشارع السياسى وتركت غيرها يتفاعل بقوة مع الجماهير وتراجع دورها فى وقت أن كان يجب ان تتواجد بصورة اكثر فاعلية خاصة فى اعقاب احداث 11 سبتمبر لذلك لم يكن غريبا ان يهاجمها ابناءها من خارجها وبعد ان انفصلوا مثل تيار شباب الوسط– وهم بالمناسبة ليسوا شبابا بمعنى الكلمة ومعظمهم اقترب من الاربعين – والاعضاء المنشقين والفارين من جمودها مثل المهندس سيد حسن عضو مجلس إدارة نقابة المهندسين فى المجلس الاخوانى حتى عام 1992 واحد اعضاء الجماعة النشطين والذى وصف الجماعة بانها لم تبلى بلاءً حسنا فى حتى فى مجال الدعوة الإسلامية لأنها تفضل بقاء الجماعة عن بقاء الإسلام وتفضل مصلحة التنظيم على مصلحة الوطن والدين واصفا الجماعة من الداخل مثل أعشاش العنكبوت قد تظن أن فى الداخل مفكرين وجنرالات ومنظمين لكن فى الحقيقة أنه ليس بالداخل أى شئ ذو قيمة، بل فيها بعض من الحطام البشرى الذى تخطى الثمانين يقضى الوقت نائمًا دون أى هدف واضح وهو الذى يصدر القرارات إلى جانب العديد من الوصوليين والفضوليين ممن لهم مصالح مالية واقتصادية مع الجماعة وذلك فى حوار خطير له مع موقع القناة الاخبارى وهو يؤكد ان الإخوان المسلمين انتهت بالرصاصة التى أطلقت على حسن البنا عام 1949.
لقد افتقد الاخوان فى السنوات العشر الاخيرة القدرة على النقاش وتحديدا منذ وفاة المرشد الليبرالى المتفتح عمر التلمسانى الذى قاد الاخوان من عثرتهم التى عاشوا فيها داخل المعتقلات الى ان توفى عام 1986 لتبدأ من بعده مرحلة الانشقاقات التى توجت بعدة استقالات فردية ثم الهروب الجماعى لجيل الوسط عام 1996 فى ظل جمود الحرس القديم وعلى رأسهم المرشد العام مصطفى مشهور والمستشار مأمون الهضيبى الذى كان يحاول جاهدا امتصاص حماس الشباب بدبلوماسية ثبت فشلها على المدى الطويل والأستاذ أحمد حسنين والشيخ عبد الله الخطيب مفتى الجماعة وهذا الرباعى هو المسئول عن كل امور الاخوان داخل وخارج مصر دون الرجوع لأحد سواء مكتب الارشاد او مجلس شورى الجماعة ويقول عصام سلطان المحامى عن الحرس القديم انهم اصروا على السير فى نفس المناهج القديمة والمكررة والتعامل بالطريقة والأسلوب وهو توريث العداء لكل ما هو حكومى او تابع للسلطة لان سلطة جمال عبد الناصر عذبتهم وبالتالى يجب أن نكره عبد الناصر وكل من أتى بعده ونكره الدولة والنظام ونكره ضابط الشرطة لمجرد أنه يرتدى زى الشرطة وأن الحل فى جماعة الإخوان المسلمين فقط، وأنها أمل مصر وأن الإخوان جزء والمجتمع جزء آخر ، وأنهم الوحيدين القادرين على حمل اللواء والنتيجة ان الجسد الهائل للجماعة وهو الشباب يعانى 80% منه من البطالة التنظيمية لانهم بلا أى دور ولا يحضرون الاجتماعات ولا الجلسات التنظيمية ، ولا المسيرات ولا يشاركون فى أى شيء .
لقد ترهلت الجماعة واصبحت كائن هلامى بلا ملمس مسنود على تاريخ ملئ بالشكوك وسيطر عليها عدد من القادة الكبار ممن اصابتهم حمى السياسة والسياسين والاحزاب الورقية فى مصر فلم يفكرون فى تعديل ظروفهم وتحسين سياستهم وكأنهم عشقوا مسمى الجماعة المحظورة واتقنوا لعبة القط والفأر مع السلطة واختبأوا مثل باقى الاحزاب خلف جريدة ( افاق عربية ) وبيانات للشجب والاستنكار والادانة ودائما ما كانوا يبحثون عن مهرب يسهل عليهم الاستمرار فى هذا الجمود الذى افضى بهم الى غرفة الانعاش فى ظل عد من الضربات الامنية المتلاحقة التى اضافت الى نقمة الرجال والشباب غضب الحكمة التى ترسمها جدران الزنازين ، فاصبحت الحكمة لدى الاخوان لا تقاس بالعمر بل بالسنوات التى قضاها الاخوانى داخل المعتقل يمارس دور ضحية السمع والطاعة بكل اتقان .
اخر هؤلاء كان المحامى المعروف مختار نوح الذى دعا لتجديد الفكر الاخوانى من سجنه على اساس عدم الصدام مع الدولة تغير سياسات الجماعة وعودتها الى اصلها من خدمة القضايا الاسلامية الكبرى وتنسيق العمل مع المنظمات الاسلامية العالمية التزاما بالعمل الدعوى والابتعاد عن العمل السياسى المباشر الذى خلق صداما حادا مع الدولة ومع القوى السياسية الاخرى وطالب بوقف العمل على خوض الانتخابات بصورة استفزازية وتصوير الجماعة بانها البديل الوحيد الطاهر المتاح للحكومة الفاسدة فكان رد قيادة الاخوان قطع الراتب الشهرى المخصص لاسرة مختار نوح اثناء فترة سجنه .
ان التيار الان قوى وميراث الامام حسن البنا مهدد بالضياع او بالتشتيت واصبح لازما على كل "الاخوة" ان يعملوا قدر اخوتهم من اجل اخراج جسد الجماعة من غرفة الانعاش .
اما نحن فندعوا الله ان يشفى المرشد العام مصطفى مشهور وكل مريض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق