دراسة قيمة لريتشارد كيرتس نشرتها الوشنطون بوست
فاتورة الرعاية الأمريكية لإسرائيل
لم يعد هناك شك لدى اى امريكى.. فى أن سادته بالبيت الابيض ما هم الامخادعين ومنافقين.. وأن زعمهم المستمر بأن المصالح الامريكية ورعايتها هى همهم الاول.. ما هو الا كذبة كبيرة .. تلك المشاعر لم تعد تنتظر مونيكا اخرى فى طريق اى كلينتون يدخل المكتب البيضاوى فى البيت الابيض ولا اى فساد"جيت" فى سمعة الرئيس الامريكى.
والمتابع للاحداث فى الولايات المتحدة الامريكية من المؤكد انه لمس مدى السلبية واللامبالاة التى كان فيها الامريكييون فى الانتخابات الماضية التى انجبت رئيسا على استحياء.. كأنهم يريدون البقاء دون قائد فكلهم فشلة من وجهة نظرهم والا فما هى مبررات وجود هذا الكم الهائل من الاصوات الباطلة والحضور المخزى فى الانتخابات الأخيرة .. الذى فاقته بمراحل مشاركة قرية صفط تراب فى محافظة الغربية.
لعل أول اسباب هذا "القرف" للمواطن الامريكى هو فشله فك طلاسم العلاقة المريبة بين امريكا واسرائيل وهى العلاقة التى يدعى دائما كل رئيس امريكى وهو يحرص على عدم تكديرها..انها علاقة نفع متبادل بين البلدين..ولكن..هذا النفع المتبادل ماهو الا وهم لدى الشعب الامريكى الذى اصبح _ من الان _ يحسب فاتورة خسائر لاتنتهى يتحملها المواطن الامريكى دافع الضرائب بسبب علاقة بلاده الغريبة التى تصل الى حد الابوة مع اسرائيل.. و لعل الدراسة القيمة التى اعدها الصحفى الامريكى ريتشارد كيرتس فى "الوشنطون بوست " ابرز مثال على تحول فكر الناس هناك الى فكرة محاسبة رؤسائهم السفهاء الذين قدموا لاسرائيل وحدها _اقل من 6 مليون نسمة _ حوالى نصف الموازنة الامريكية بالاضافة الى الاعانات التى تقدم لمصر والاردن للبقاء فى حالة سلام مع اسرائيل.. فيجدون انفسهم يدفعون فاتورة سلام لا تحترمه ولا تحافظ عليه اسرائيل..بل وتوضح الدراسة ان الامريكان يدفعون مقابل تلك العلاقة الشاذة يدفع الثمن عدم احترام وكراهية من معظم دول العالم بسبب سياسة التحيز السافرمن امريكا لاسرائيل حتى ضد الديمقراطية وحقوق الانسان.
من 1949 الى 1998دفعت امريكا لاسرائيل "5,8 مليون" نسمة اكثر مما ساعدت به حميع الدول الافريقية غير العربية وكل القارة اللاتينية ودول الكاريبى ( مليار و54 مليون نسمة)
ففى 1997 على سبيل المثال تلقت اسرائيل 3 مليار من موازنة المعونة الامريكية و525مليون دولار من موازنات اخرى و2 مليار فى صورة ضمانات وقروض فيدرالية اى ان الاجمالى 5,5 مليار دولار اذا تجاهلنا الكسور التى تبلغ 25 مليون دولار، اى بمعدل 15مليون دولار و861 الف جنيه يوميا يتحملها دافع الضرائب الامريكى دون ان يبحث فى الاسباب.
حتى ان المساعدات الامريكية لاسرائيل خلال الخمسين عام السوداء الماضية 48,8 مليار دولار معونات خارجية بخلاف قروض فيدرالية بلغت "حتى حينه" 10 مليار دولار.. وذلك دفع صاحب الدراسة الى حساب الفائدة على الدولار فى حالة عدم خروج تلك الاموال من الولايات المتحدة فوصلت الى 134,8 مليار دولار تحملها الشعب الامريكى دون ان يعرف السر وراء تلك العلاقة الخاسرة بين بلاده واسرائيل..الغريب ان صاحب الدراسة اكد ان تلك الحسابات اغفلت مبلغ مليار دولار سنويا فى صورة هبات خاصة من الامريكيين للاعمال الخيرية فى اسرائيل وهو ما يرفع تكلفة اسرائيل على الشعب الامريكى لتقترب من 200 مليار دولار
هذا الرقم ايضا لم يشمل الخسائر التى تسبب فيها اسرائيل لامريكا بشكل مباشر نتيجة تحيزها السافر ابرزها الخسائر والتكلفة العالية على المواطن الامريكى من جراء ارتفاع البترول فى السوق العالمى كم حدث عام 1973 من الدول العربية ردا على الدعم الامريكى غير المحدود لاسرائيل فى مقابل اكثر من 40 دولة عربية واسلامية وكأنهم بلا وزن.
ايضا التكلفة الباهظة للابقاء على قوت بحرية ضخمة من الاسطول السادس فى البحر المتوسط وقوات جوية بقاعدة افيانو بايطاليا ناهيك عن تكلفة بقاء قوات برية وجوية وبحرية فى الخليج العربى بدعوى ردع العراق والاسطول السابع الموجود فى مياه المحيط الهادى وكل ذلك من اجل حماية اسرائيل وهو ما يدفع المحللين السياسيين بقياس قدرة اسرائيل العسكرية بما يمكن لامريكا ان تمنحه لها فى اسرع وقت والا كانت اسرائيل واحدة من الذكريات فى هذا العلم منذ نصف قرن.
حتى ان داهية الخارجية الامريكى الراحل "جون بول" يؤكد أن تكلفة اسرائيل السنويةالتى يتحملها الامريكيين 11 مليار دولار سنويا فى المتوسط.
ثم اتقل ريتشارد كيرتس الى النواحى التاريخية لظهور اسرائيل وعدوانها المستمر على الاراضى العربية فى فلسطين ومصر والاردن وسوريا ولبنان فى ظل الدعم الامريكى غير المبرر على حساب العرب. وهو ما يظهر بوضوح فج كلما اجرمت اسرائيل فى حق الانسانية وسارعت امريكا الى تبرير جريمتها..و حمتها من الادانة الدولية فى الامم المتحدة وهو ما يشكل نوع اخر من الخسارة للامريكيين ممن لا يرون مبرر لتلك السياسات الامريكية الفاشلة فى الشرق الاوسط و التى تجعلهم منبوذين سياسيا عادة فى ظل دولة ظالمة لاتعترف بالحق وتناصر الظالم المحتل وايضا يقلل حجية النموذج الامريكى الذى يسعى الى تحقيق الديقراطية ودعم حقوق الانسان فى العالم نظرا لدعم اسرائيل..و تحول نموذج الحلم الامريكى العالمى الى نموذج مكروه سواء من المواطن العربى او فى العالم الاسلامى حتى من اقرب الحلفاء ممن لا يجدون مفرا من الانقلاب على امريكا بسبب سياستها..حتى الحلفاء الاوربيين والاسيويين اصبحوا فى خندق بعيد عن امريكا يشجبون دائما السياسة الامريكية والنموذج الامريكى الذى اصبح مرفوضا...و لعل المعارك الضارية التى دارت داخل مجلس الامن والجمعية العمومية للامم المتحدة لادانة اسرائيل واستخدامها القوة ضد مواطنى الارض المحتلة توضح ذلك فلم تجروأ سوى امريكا وحدها ان تضرب بحقوق الانسان عرض الحائط وترفض ادانة اسرائيل فى شكل شاذ غير مبرر فى مواجهة 185 دولة.
لذلك فالامريكيون يرون ان اسرائيل ستكون السبب فى عزل بلادهم عن العالم وانهيار زعامتها وهو مالا يعد نوع من المصلحة الامريكية التى يحرص رؤساء امريكا عليها بدعمهم لاسرائيل.
هذا بالنسبة للسياسة االخارجية وحدها. اما على الصعيد الداخلى فأن جماعات الضغط اليهودية ( اللوبى الاسرائيلى )و ابرزها منظمات _ ايباك _ بناى بريث _ هداسا _ وغيرهم (158 منظمة يهودية فى امريكا تعرضت لهم الدراسة ) تسببوا فى الاطاحة بعدد من المسئولين الشرفاء ممن حاولوا اعادة النظر فى السياسة الامريكية تجاه اسرائيل او حتى الموقف المالى منها وتفخر تلك المنظمات وخاصة ايباك بأنها كانت السبب وراء ابعاد جون بول_ وكيل وزارة الخارجية فى ادارة كارتر وسفير امريكا فى الامم المتحدة فى ادارة جونسون_ بسبب ذكائه الحاد وشكه فى العلاقة الشاذة بين بلاده واسرائيل.
تطول قائمة الاسماء لتشمل قيادات امريكية مثل وليام فولبرايت وتشارلز بيرسى وهما من اذكى رجال السياسة التى لعبت جماعات اضغط دورا بارزا فى ابعادهم عن البقاء فى مجلس الشيوخ.
الطريف ان المنظمات اليهودية نجحت بالفعل فى منع التجديد لرؤساء مثل الديمقراطى كارتر والجمهورى جورج بوش الابن ممن حاولوا الانتباه للخسائر الامريكية بسبب اسرائيل.
تلك الخسائر لم تقف عند حد الاموال او الاحترام الدولى والسياسي خارجيا وداخليا فقط بل تجاوز ذلك الى ارواح الامريكيين انفسهم ولعل الامريكان لا ينسون الهجوم الاسرائيلى على السفين الامريكية (يو اس اس ليبرتى ) فى البحر المتوسط اثناء حرب الايام الستة يونيو عام 1967 وقتل عليها 24 امريكى واصيب 171 اخرين وقيل وقتها ان ذلك كان خطأ بسبب عدم تعريف السفينة لنفسها وهى التى كانت فى المنطقة لمراقبة الاتصالات العربية اثناء الحرب وكان الحادث الوحيد فى تاريخ امريكا الذى لم يتم التحقيق فيه داخل الكونجرس او البحرية الامريكية ويكاد الاعلام يتجاهله تماما بالرغم من ان طاقم السفينة اكد ان الهجوم الاسرائيلى كان متعمدا لجرجرة امريكا الى التدخل لصاح اسرائيل بشكل مباشر بعد اتهام مصر بالتسبب فى الكارثة.
ولكن عندما فشلت اسرائيل فى ذلك ادخلت تلك الكارثة الى كهف العلاقات الشاذة بينها وبين امريكا وكأنه مسح من التاريخ.
هناك ايضا الخسائر الامريكية جراء العمليات العربية بسبب التحيز الامريكى والتدخل عسكريا لصالح اسرئيل مثل 141 موت جندى امريكى من قوات المارينز فى بيروت عام 1984 و مقتل عدد كبير من الموظفين الامريكيين بسبب تفجير السفارات الامريكية فى بيروت و الكويت وكينيا وتنزانيا اغتيال 4 امريكيين فى كراتشى وموت 19 جندى فى قاعدة الخبر بالسعودية واخيرا 17 امريكى فى حادث السفينة الامريكية كول فى عدن..بخلاف تعرض الامريكيين والطائرات الامريكية للخطف فى بيروت او فى الشرق الاوسط عامة..وكل ذلك بسبب السياسات الغبية تجاه العرب وعدم التدخل لتنفيذ القرارت الدولية وابرزها 242 بل ومساعدة اسرائيل على ان تضرب بها عرض الحائط. فاصبح النفاق هو البديل المناسب لوصف السياسات الامريكية فى الشرق الاوسط خاصة تجاه اسرائيل ويستمر ناقوس الخطر يدق بأستمرار فى اذن المواطن الامريكى طالما ان بلاده تساند اسرائيل وطالما ان اسرائيل ترفض اعادة كل الاراضى التى احتلتها عام 1967.
قبل ان نختتم قراءة الدراسة الخطيرة التى فجر بها كريتس قنبلة داخل المجتمع الامريكى قد تدعوه للدفاع عن نفسه وعن بقاؤه وعن امواله و ارواحه.. فأن ابرز التساؤلات التى طرحت هى نوع واسباب تلك العلاقة الشاذة التى وصفها لأول مرة الرئيس ريجان حين قال" انها استرتيجية تجلب النفع للولايات المتحدة واسرائيل "وهو ما دفع كثيرون للسخرية من هذا النفع الذى يمكن ان تجلبه دولة غير مستقرة تعيش على المعونة الامريكية ومساحتها تقل من هونج كونج وعدد سكانها لا يتجاوز 6 مليون نسمة لامريكا بما يعوضها عن 250 مليون عربى واكثر من مليار مسلم يسيطرون على 60% من احتياطات العالم الثابتة من البترول والغاز والمواد الخام ويعيشون على مساحات شاسعة من كوكب الارض ويتحكمون فى نقاط استراتيجية سعى خلفه الاحتلال منذ مئات السنين وفشل فى انتزاعها بالقوة.
اذن فالقول بأن اسرئيل تحقق نفع لامريكا ما هو الا نوع من السخافة على حد وصف كيرتس ونحن نضيف والغباء ايضا.
أمر اخر ما تعرضت له الدراسة فكان مواجهة التيار المدافع عن ذلك الزواج الكاثوليكى بين واشنطون وتل ابيب تحت عدة دعاوى...الاولى ان الارتبط بينهما امنى وعسكرى وان البلدين خاضا سويا شوطا طويلا فى تطوير الاسلحة وهو ما لا يفخر به الامريكيون انفسهم كشعب يريد الحياة فى سلام ولكن الدراسة واجهت ذلك بأن المشروع أو المشروعين على اقصى تقدير التان اشتركتا فيهما الدولتين كانا بدعم امريكى مالى فى الاساس واستفادت منه اسرائيل اضعاف ما استفادت منه الولايات المتحدة بل وتجاوز ذلك الى ان اسرائيل سارعت ببيع تكنولوجيا الاسلحة الامريكية الى عدد من الدول ممن لا ترغب واشنطون فنى منحها ذلك..و اخرها عندما قامت اسرائيل ببيع تكنولوجيا صواريخ باتريوت الامريكية للصين بالرغم من الصراخ الامريكى الرافض لذلك الا ان الصفقة تمت وكان اسرائيل تملك "ذلة" على سادة البيت الابيض.
ايضا _نحن نضيف من عندنا _ الحالات الاخيرة التى تم ضبط شبكات تجسس اسرائيلية تتبع الموساد داخل الولايات الامريكية اخرها كان مارتين انديك الذى اثيرت قضيته منذ ثلاث شهور ثم وضت فى الثلاجة وكان انديك الخبير المحنك فى شئون الشرق الاوسط سفيرا لواشنطون لدى اسرائيل ثم وجهت له اتهامات بالاهمال فى وثائق هامة ومنع من امتيازاته واشتهر الامر بأنه قضية تجسس لحساب الموساد.قبله كانت هناك جون دوتشى الذى شغل منصب رفيع فى وزارة الدفاع الامريكية خلال الفترة الاولى لكلينتون ثم عين رئيسا لل (سى اى _ايه_ ) وحول المعلومات التى كانت على كمبيوتر المخابرات الامريكية الى كمبيوتر منزله دون ان يدرى احد وتردد ان تلك امعلومات واوثائق الخطيرة وقعت فى ايدى صديقه السفير الاسرائيلى الذى توفى منذ شهور " بن اليعازر" وقبلهما جاسوس اخر لحساب اسرائيل وهو الذى افرج عنه بعد ان ضبط متلبسا خلال صفقة سياسية بين البلدين.و فى مقابل توقيع اسرائيل لاتفاق سلام مع دولة عربية.
لم يبقى سوى ادعاءات بأن الخصوصية التى تمنحها الولايات المتحدة لاسرائيل ترجع لان اسرائيل هى الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الاوسط وانها الوحيدة التى تجارى الديمقراطية الامريكية فى العالم وانهما يطبقان قواعد وقوانين شتركة فى مجال المساواة فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين او الاصول العرقية.. و بالرغم من ان كيرتس قد فند هذا الادعاء الساذج فيما يخص التجاوزات الاسرائيلية ضد مسلمى ومسيحيى فلسطين والاراضى العربية المحتلة وتستخدم ضدهم كل السبل القمعية التى لا علاقة لها نهائيا بالديمقراطية وحقوق الانسان والمواطنة...الخ.
الا ان نتيجة ما وصل اليه تلخص تماما ما يمكن الرد به على هذا "البله".. انه لو اردنا البحث عن دولتين تختلفان جذريا فى هذا المجال _ الديمقراطية والمواطنة وحقوق الانسان _ فانهما سيكونان..امريكا واسرائيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق