• أمام ثورتنا .. أسئلة كبيرة .. لا تقف عند السلفيين وضرباتهم .. ومصير المسلمات الجدد .. وملاعيب الإخوان .. ومناورات الثورة المضادة .. وتوهان القوى السياسية .. ولخبطة أولى الأمر .. وأهم سؤال هو مصير هذا الوطن .. مصير مصر بعد 25 يناير الثورة
  • لست ضد النوايا الطيبة للشيخ حسان وتابعه الشيخ صفوت حجازى وجولاتهما المكوكية فى ربوع مصر لحل ما استعصى على الدولة وما صعب على الحكومة وما فشل فيه أولى الأمر، لكن الدولة دولة قانون
  • أعرف جيدا .. أننى حزين الأن .. لإقتران لقب "أبو العيش" بأمور فساد مالى وإدارى .. بعد أن كانت مثالا للإقتصاد الرحيم .. والتنمية التى لا تنقطع .. ونشر الثقافة .. والتوعية بقضايا البيئة .. والأعمال الخيرية .. وأتمنى من الله .. أن تزول تلك الغمة بظهور الحق وبيان الحقيقة التى لا يحتكرها أحد الان
  • وبين الأب الذى "لم يكن ينتوى" .. والإبن الذى "كان ينوى" .. كانت هناك شهورا قليلة فاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية نفسها .. ولكن أيا منهما لم يكن قد أعلن عن تلك النوايا وكأن مصر ستظل أسيرة نواياهما
  • بينما أولئك المُصنفون "فرز تانى وتالت ورابع" من لصوص ومنافقين.. يحاولون تبديل وجوههم وتغيير مبادئهم وسلخ جلودهم القديمة كالثعابين والأفاعى

الاثنين، ٢٦ أبريل ٢٠١٠

ترمومتر الاخوان


حركة سياسية دؤوبة .. وجولات مكوكية يقوم بها قيادات برلمانية وتنظيمية بجماعة الاخوان المسلمين .. فى اتصالات مع الأحزاب والقوى السياسية.

والظاهر من تلك الاتصالات السياسية .. أنها تتسم بثلاثة أمور أساسية .. أولهما العجلة والاسراع فى التحرك .. وهى سمة تتنافى مع تحركات الجماعة التى يعرف عنها التأنى وجس نبضة أى خطوة قبل الاقدام عليها .. ومراجعة النتائج قد تكرارها .. والثابت أن الإخوان التقوا بعدد كبير من الأحزاب فى فترة زمنية وجيزة .. شملت أحزاب التجمع والناصرى والدستورى الح والوفد والجبهة.

وثانيهما هو العمومية .. لدرجة أن الجماعة لم تترك أحدا لم تسع للإجتماع والتحاور معه .. حتى أنها تجتمع مع الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد "الأصلى" .. ثم تعلن فى نفس الوقت عن نيتها التحاور أيضا مع حزب الغد "الشرعى" برئاسة موسى مصطفى موسى .. وكأنها – أى الجماعة – قررت أن تفتح "الأبواب والشبابيك والآذان والعيون، بحثا عن شيئا ما.

ثالث الظواهر المرتبطة بتحركات الجماعة مع الأحزاب هو إيجابية التحرك .. او بمعنى أخر .. أن الجماعة لم تعد تنتظر بكبرياء القوة والانتشار والتغلغل .. ان يأت إليها الأحزاب بحثا عن التنسيق والتشاور والتحاور .. بل أصبحت هى التى تبادر بالتحرك نحو الأحزاب والحركات السياسية .. لتعرض الحوار .. وتبحث عن النقاط المشتركة لتلقى عليها الضوء .. حتى ولو كانت تتعلق بقضايا إقليمية وليست داخلية .. مثل الموقف من الاحتلال الاسرائيلى لفلسطين .. وحتى لو كان الحوار مع أحزاب سياسية لديها عداء تاريخى مع الجماعة وطريقتها فى العمل السياسي .. او حتى ومواقفها من "القبور التاريخية" لمؤسسى تلك الأحزاب أو اصحاب الرؤى السياسية التى مازالت هى الحاكمة حتى يومنا هذا.

ولعل حزمة كبيرة من الأحداث والمواقف هى التى دفعت الجماعة الى تلك الجولات الحوارية - التى أثق إنها لن تكتمل قبل أن تصل الى محطة الحوار مع الأحزاب الورقية التى تدين بولاءها للأمن والسلطة .. وكل الحركات السياسية بغض النظر عن توجهاتها – أولها التعديلات الدستورية التى جرت عام 2005 كرست الحظر السياسي للجماعة فى دستور البلاد، من خلال النص على عدم شرعية العمل السياسي من خلفية دينية، الامر الذى لن يتيح للجماعة حتى أن تلتحف بشعارها العتيق "الاسلام هو الحل" الذى أطلقته من ثمانينيات القرن الماضى، هذا إن قررت مواصلة دفع مرشيحها كمستقلين فى أية انتخابات قادمة.

الى جانب تضاؤل فرص الجماعة – ومعها كافة الأحزاب المعارضة - التى ستخوض الانتخابات البرلمانية (شعب وشورى) فى غياب الاشراف القضائي الكامل، وهو الضمان الذى منح الجماعة 88 مقعد فى جولة واحدة من ثلاث جولات انتخابية فى الانتخابات البرلمانية عام 2005، وأسفر المساس به عن طريق الامن – الذى عمل على منع التصويب من المنبع بإغلاق اللجان الانتخابية فى وجه الناخبين – الى ضياع فرصها فى تعزيز تواجدها داخل "المجلس الموقر" .. ليقتصر دور نواب الجماعة على الصراخ من الجانب الأيسر لمدة خمس سنوات .. مررت الحكومة خلالها كل ما أرادت تمريره من تشريعات وقرارات.

لكن هذا المتغيران لم يكونا وحدهما هما الدافع وراء الحركة الدؤوبة للجماعة وجولاتها للحوار مع كل من "هب ودب" فى الشارع السياسي .. ويخالجنى شعور بأن أمرا ما سيحدث فى القريب .. وأن تلك التحركات السياسية العلنية لجماعة يتعامل مع النظام بوصفها جماعة "محظورة" يطارد أعضاءها ليلا نهارا .. حتى أصبحت "جماعة تأديب وتهذيب وإصلاح" وراءه سرا ما .. ولكن ما هو السر .. وما علاقته بمستقبل مصر .. فهذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة .. فى وطن لا يعرف أهله سوى "فعل" الانتظار والترقب .. لتحديد صورة مستقبله.

الاثنين، ١٢ أبريل ٢٠١٠

قبل أن يرجم البرادعى بالحجارة


أزمة كبيرة يواجهها الدكتور محمد البرادعى عراب الاصلاح السياسى والدستورى .. إسمها المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن‏:‏ الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع‏.
فالرجل الذى ينادى بالاصلاح السياسي وتعديل الدستور بحيث يسمح لكل فرد ان يرشح نفسه للانتخابات من خلال تعديل المادة 76، ويحارب الأبدية فى منصب الحاكم من خلال المادة 77 .. ويبحث عن تفعيل الإستقرار ونسف القوانين الاستثنائية مثل قانون الطوارئ، لم يؤخد من كلامه سوى ما يدور حول المادة الثانية من الدستور وسعيه لاقامة دولة علمانية لا دين رسمى لها، يعيش فيها الجميع على مذهب المواطنة التى يتساوى فيها الناس فى الحقوق والالتزامات، الامر الذى يحقق العدل والمساواة.
اخذ من كلام البرادعى – الذى لم أسمعه بأذنى – وقيل أنه "أتاتورك مصر" وسبوه فى المنتديات السلفيه وقالوا عنه أنه "العلماني النجس" و"عدو الإسلام" الامر الذى وضع حاجزا كبيرا بين الرجل المصلح وبسطاء الناس .. الذين يرون أن الاقرار على اسلامية الدولة هو الذى حماها من الانهيار، وأن نفى الاسلام كدين رسمى للدولة سيؤدى الى سرعة انحلالها أكثر مما هى منحلة ومنهارة.
فخلال الايام الماضية سمعت أراءا كثيرة من مواطنون من مختلف الأعمار والثقافات .. لكن اللافت للنظر أن قضية عزم الدكتور البرادعى تحويل البلد الى "دولة علمانية" كان الحاجز الأكبر بينه وبين الناس.
لم يتقوف الناس كثيرا أمام التساؤلات حول حال الإسلام فى مصر الأن تحت مظلة الدستور بوضعه الحالى، ولكنهم تسلحوا بوجهات نظر، تستحق أن يسمع لها، حتى وإن رأى البعض أنها غير سليمة.
تلك المهمة يجب على الدكتور محمد البرادعى أن يتولاها بنفسه، وهى تحديد موقفه الصريح من المادة الثانية من الدستور، وموقف مساعيه الاصلاحية من الاسلام، وطبيعة علاقة الدين بالدولة فى مشروعه الاصلاحى، حتى يحشد دعم رجل الشارع "العادى" .. قبل مثقفى البرج "العاجى".
اذا كان الدكتور البرادعى جادا فى مساعيه الاصلاحية .. فلابد أن يطرح موقفه بكل جرأة – مهما كان توجهه الحقيقى – عبر الآليات الاعلامية أو عبر لقاءات مباشرة مع بسطاء الناس .. لمواجهة مخاوفهم من أنه لن يقود البلد الى الانسلاخ من جذورها الاسلامية .. وتحويلها الى دولة "كافرة" بلا دين.
لقد ذهب البعض الى القول بأن سريان تلك الموجة من العزلة بين الناس تجاه البرادعى بسبب موقفه من المادة الثانية من الدستور، يقف وراءها محسوبون على الامن ومخبرى السلطة والمستفيدين من بقاء الوضع كما هو عليه .. باطلاق الشائعات وتضخيم التصريحات .. وإثارة مخاوف المواطنون من تحركاته .. حتى ينتهى الامر ربما برشقه بالأحجار فى أى من جولاته القادمة .. ووقتها لن يظهر فى الكادر سوى الناس والبرادعى وجها لوجه .. ويختفى المحرضون الحقيقيون الذين سيكتفون بالاستمتاع بالمشاهدة .. ومواصلة تحريك الراى العام من خلف الستار.
لا يوجد ما سيعيب حملة البرادعى من أن تواجه تلك التساؤلات وتجيب عليها .. لأنها بالفعل تساؤلات حقيقة وقوية التأثير فى الشارع المصرى .. حتى يقطع الطريق على من ينفخون فى النار .. ويحركون المشاعر فى القرى والنجوع والكفور .. التى تقول لغتها الدارجة "الباب اللى يجيلك منه الريح .. سده واستريح" .. سامعنى يا دكتور برادعى ؟؟..

الأحد، ٤ أبريل ٢٠١٠

"الاكاديمية" .. بقعة ضوء ساطعة

التعليم هو السر .. هو كلمة البداية فى أى تنمية يمكن أن نرجوها لهذا الوطن .. تلك حقيقة يتفق الجميع بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الاتجاه الفكرى.

والتعليم ليس مجرد مناهج "تُصب" فى رؤوس فارغة .. ونتائجه أكبر وأعم من تلك الورقة التى نحصل عليها فى النهاية .. وتؤهلنا لدخول معترك الحياة من باب أرحب .. انه الطريق الممهد لكل انسان ليقدم رسالته فى الحياة .. ويستعرض ما أعطاه الله من امكانيات.

لم تغب تلك المعطيات عن خاطرى وأنا أتجول داخل مبانى الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى بالاسكندرية .. ذلك المكان العريق الذى ظل – بالنسبة لى - بقعة رمادية تنادى لمزيد من الاطلاع حتى أتيحت لى تلك الفرصة .. وتلك الزيارة.

ما وجدته على أرض الاكاديمية لم يكن مجرد تطوير للمفاهيم .. أو استغلال للإمكانيات .. ما رصدته هناك كان تحديا للواقع وسباقا مع الزمن .. لإجتياز تلك الهوة الرهيبة بيننا وبين العالم المتقدم .. وتقديم رسالة للبشرية والتقدم والعلم.

فى تلك الاكاديمية التى تتمتع بالغطاء العربي .. ودفء المقر المصرى .. واستقلالية التطوير .. لم يكن غريبا أن يجلس من يستحقون فى مقاعد القرار .. لم أشتم رائحة الواسطة فى أنفاس من قابلتهم هناك من العلماء والاساتذة الأجلاء والموظفين .. شعرت بأن قطع الميكانو الصغيرة قد تم تركيبها وفقا للمعادلة الحقة .. "الشخص المناسب فى المكان المناسب".

لذلك حينما إنتهت تلك الزيارة - التى لم يمنحها ضيق الوقت مزيدا من الإطلاع – وجدت نفسى مدفوعا لاعتبار تلك المؤسسة العريقة "بقعة ضوء" فى وسط النفق المظلم .. وليس فى نهايته.

بقعة ضوء يجب أن نحارب جميعا لنوسع مداها .. ونستفيد من طاقتها أكبر استفادة ممكنة .. لنستفد من تلك التجربة وتلك المبادئ التى لم تقف على عتبة الروتين .. لنعرف كيف نجحت .. وكيف أفادت المجتمع.

فى الاكاديمية علم متطور .. لا يعانى أمراض التخلف الفكرى .. وأساتذة مخلصون لديهم اعتزاز بالنفس وتقدير للذات .. وإيمان بأن ما يقدمونه رسالة وليس مجرد عمل مقابل أجر .. ووسائط لنقل هذا العلم تشعرك بأنه هناك أمل فى اللحاق بركب التقدم واستغلال التطور لخدمة الناس.

فى الأكاديمية وجدت أفقا رحبا للنجاح .. وقيادات لم تخجل من أن تختار شابا مبدعا لم يبلغ الرابعة والعشرون من عمره لمنصب مدير لأحد الإدارات .. دون الوقوف أمام سنه .. والبحث عن الشعر الأبيض فى رأسه .. وإنما التنقيب عن الأفكار والابتكارات والقدرات الخلاقة لديه.

فى الأكاديمية لم أشعر بأن من يدير له الأولوية فى شئ .. فقط شعرت بأن المبدأ السائد هو : انجح .. وتوكل على الله .. وتلمّس العلم .. ونحن معك .. ندعمك .. ونساندك ونعبر عن أمانيك لحياة أفضل.

فى الأكاديمية قابلت رجلا أدخلنى – بمنتهى اليسر - فى عالم التكنولوجية ومستقبل المالتى ميديا .. وكأنى فى قلب فيلم للخيال العلمى يخرجه الرائع جيمس كاميرون .. فيلم قابل للتحقق على أرض الواقع .. فيلم قصته عن "العلم .. وكيف يخدم التعلم".

فى الأكاديمية .. حسدت الدول العربية التى تستفيد من هذا الكيان .. وشعرت بأن العرب فعلوا شيئا يستحقون الاشادة عليه .. وأن الصورة ليست مظلمة .. ما دام هناك "بقعة ضوء بهذا التوهج".

لم تجب زيارتى للاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى .. احد المؤسسات التابعة لجامعة الدول العربية .. على علامات الاستفهام الرمادية التى كانت تبحث عن إجابات .. بقدر ما زرعت بداخلى علامات استفهام أخرى .. وتساؤلات أعمق حول أمرين اثنين لا ثالث لهما.

كيف تحقق هذا النجاح؟ .. وكيف نحقق منه الاستفادة الكبرى؟

صحيح أننى لم أطرح هذان التساؤلان بشكل مباشر على الدكتور محمد فرغلى رئيس الأكاديمية - الأمين المساعد لجامعة الدول العربية – لكنىى إستمعت الى وجهة نظر تحترم التخصص .. وتنتهج سياسة الباب المفتوح .. وتؤمن بالقدرات الكامنة فى من حولها .. وتتمتع بخيال خصب .. وجرأة فى الادارة .. لا يضاهيها سوى جرأة الاعتراف بالخطأ – إن وقع -.

لقد اختبرت فى جلستى مع الدكتور محمد فرغلى عدة مشاعر .. كنت "سعيدا" لما أراه يتحقق .. "فخورا" بان مصر هى التى تحتضن هذا النجاح .. لكننى ظللت "خائفا" من أن تنتهى موجة الاضمحلال السياسى للمكانة المصرية على المستوى الاقليلمى .. باختطاف الأكاديمية العربية .. الى وطن أخر .. لا يعتنق الروتين .. ولا يحاسب المسئول بالقطعة .. أو يعمل على عرقلة نجاحه .. لمجرد أنه تحقق بعيدا عن أعين الحكومة ومكاتبها .. وسيطرتها .. وتعقيداتها.

لكن أسوأ المشاعر التى سيطرت على .. - وكانت المدخل العملاق للسؤال الثانى : كيف نستفيد من هذا الكيان؟ .. هو "الشعور بالاحباط" .. فنجاح التجربة فى الاكاديمية واستفادة بضعة آلاف منها .. يؤشر الى إمكانية نجاحها على مدى أوسع .. فلماذا لا تكون مدارس مصر بنفس نظافة ونظام مبانى الأكاديمية .. لماذا لا تحترم جامعات مصر التخصص وتقدس العلم .. كما لمست فى الأكاديمية .. لماذا يستخدم الاساتذة فى مدارسنا الطباشير والسبورة العتيقة بينما هناك وسائط تعليمية قابلة لقيادة الانتقال المرحلى .. من مرحلة السبورة .. الى مرحلة .. القلم الرقمى.. ومن الكتاب المدرسى الكئيب والمليء بالأخطاء .. الى مرحلة الـ not book .. هناك خطوات انتقالية فى متناول أيدينا .. لكننا لا نستغلها .. وننتظر قطار الروتين وهو يقف تحت مكاتب الوزراء يستجدى توقيعاتهم للتطوير .. ويحسب حسابات المصالح .. ومراكز القوى والمافيا التى تشعبت فى حياتنا .. حتى منعت الأوكسجين عن كل بارقة أمل.

الغريب أن الأكاديمية لديها مثل هذا المشروع الانتقالى .. متمثلا فى استخدام الوسائط التكنولوجيا فى التعليم .. بل وانفقت ملايين الجنيهات على مشروع لبرمجة المناهج وبثها عبر الوسائط المختلفة (تليفزيون – انترنت – كمبيوتر) .. لكن وزارة التربية والتعلم لم تستفد منه - ولا حتى فى عز أزمة أنفلوانزا الخنازير التى أضاعت نصف العام على التلاميذ وفتحت الأبواب على مصراعيها لمافيا الدروس الخصوصية - .. وإكتفت الوزارة بقبول إهداء الاكاديمية لمشروع موقع "مدرستى" على شبكة الانترنت للمرحلة الاعدادية فقط .. ولم تدعم التجربة – الرائعة - أو حتى تمنحها الفرصة للانطلاق.

من هناك تولد الشعور بالاحباط .. فإذا كانت الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، مقيدة عن بسط اشعاعها الحضارى كنقطة ضوء .. لأسباب خارجة عن إرادتها .. فإن ما رأيته من تطور وانجاز قد لا يستفيد منه الوطن .. لأن بعضنا لا يطارد الضوء .. ويعشق السباحة فى الفضاء المظلم.

كانت المحصلة من زيارة مقر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بمقرها الرئيسي بأبو قير بالاسكندرية .. هو أن ذلك الكيان – الممكن – هو بقعة ضوء ساطعة فى محيطها العربي.

أكاديمية قادرة على التعامل مع مشكلات المجتمعات العربية .. ووضع حلول غير تقليدية لها .. لكنها فى الوقت نفسه مقيدة عن حرية الحركة .. رغم الدعم العربي الرسمى .. والدعم المصرى تحت الغطاء العربي .. بالقدر الذى يجعلها الأقل استفادة فى المحيط العربي رغم كونها دولة المقر.

ليس لقلة ما تقدمه الاكاديمية .. ولكن لعدم رغبة بعض الوزارات بالحكومة المصرية فى الاستفادة .. دون أن تبادر بفرض سيطرتها .. وإخضاع الأكاديمية – التى تعد هيئة دبلوماسية تابعة لجامعة الدول العربية – الى الروتين الذى ما زالت تعتمده كآلية عمل.

لذلك كانت مخاوفى من أن تلك الدوامة من الرغبة فى بسط النفوذ .. وفرض السيطرة .. واستخدام الروتين لتعطيل "المراكب السايرة" .. هى التى ستمنع استفادة دولة المقر .. من المقر وما يسطع منه .. وما ينجز فيه .. الامر الذى أصابنى بحالة من الإحباط "الإحترازى".

تخيلت مثلا أن مركز المحاكايات العالمى الذى رأيته على أرض الأكاديمية .. "وهو مركز عملاق يضم معامل لمحاكاة الظروف الواقعية لأية كوارث - محتملة - قد تصيب المجتمع .. فى البحر .. أو على الأرض .. او فى السماء".. قد لا يستفيد منه أحد .. ما لم تلح الأكاديمية على الدولة لتدريب كوادرها على مواجهة الكوارث.

وأن مركزا مثل مركز الوسائط المتعددة .. الذى يسخر العلم كوسيط لخدمة التعلم .. تستفيد منه كل الدول العربية أكثر مما تستفيد مصر دولة المقر – وهذا واقعا وليس خيالا - .. فتطلب الكويت اعداد مناهجها بتقنيات حديثة .. وتستعين المملكة العربية السعودية بكوادر المركز .. لتحويل المناهج الى تقنيات رقمية سهلة الاستيعاب والفهم .. عبر استخدام وسائط الصوت والصورة والرسم.

لكننى رغم "الاحباط" .. قد ضبطت بنفسى متلبسا بفعل "الحلم" .. فزيارة الأكاديمية جعلتنى أحلم بأن يصبح التعليم فى مصر على نفس هذا المستوى لكل تلاميذ وطلبة مصر .. من كلابشة وأداندان وتوشكى فى الجنوب .. حتى أطراف سيناء وقرى دمياط والاسكندرية وكفر الشيخ فى الشمال .. حتى وإن تلكف ذلك مليارات الجنيهات .. فإن لم ننفق على التعليم وإعداد المعلم والمدرسة والجامعة كل ما لدينا .. فعلى ماذا ستنفق مواردنا.

ضبطت نفسى أحلم بأن نستفيد من قدراتنا فى الاستعداد لرصد الأخطاء .. ومكافحة الكوارث .. قبل أن تقع .. وتطبيق معايير الأمن والسلامة – المتاحة لدينا – حتى لا تتكرر أحداث قاتلة مثل غرق العبارة السلام 98 .. أو سقوط الجبل فوق سكان منشية ناصر .. أو حوادث القطارات .. أو حتى مواجهة السحابة السوداء .. وحماية شواطئنا من التلوث .. ومواجهة أساطيلنا البحرية لعمليات القرصنة .. وكلها أمور يمكن لمن يزور الأكاديمية أن يدرك أن التعامل معها لم يعد مستحيلا.

ما شاهدته فى أبو قير مقر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى .. أثبت لى بالدليل القاطع .. ان النجاح فى هذا الوطن ليس مستحيلا .. وأن استغلال النجاح متاحا لمن يجتهد .. ولكن من يدرك؟.

 
خد عندك © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates