• أمام ثورتنا .. أسئلة كبيرة .. لا تقف عند السلفيين وضرباتهم .. ومصير المسلمات الجدد .. وملاعيب الإخوان .. ومناورات الثورة المضادة .. وتوهان القوى السياسية .. ولخبطة أولى الأمر .. وأهم سؤال هو مصير هذا الوطن .. مصير مصر بعد 25 يناير الثورة
  • لست ضد النوايا الطيبة للشيخ حسان وتابعه الشيخ صفوت حجازى وجولاتهما المكوكية فى ربوع مصر لحل ما استعصى على الدولة وما صعب على الحكومة وما فشل فيه أولى الأمر، لكن الدولة دولة قانون
  • أعرف جيدا .. أننى حزين الأن .. لإقتران لقب "أبو العيش" بأمور فساد مالى وإدارى .. بعد أن كانت مثالا للإقتصاد الرحيم .. والتنمية التى لا تنقطع .. ونشر الثقافة .. والتوعية بقضايا البيئة .. والأعمال الخيرية .. وأتمنى من الله .. أن تزول تلك الغمة بظهور الحق وبيان الحقيقة التى لا يحتكرها أحد الان
  • وبين الأب الذى "لم يكن ينتوى" .. والإبن الذى "كان ينوى" .. كانت هناك شهورا قليلة فاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية نفسها .. ولكن أيا منهما لم يكن قد أعلن عن تلك النوايا وكأن مصر ستظل أسيرة نواياهما
  • بينما أولئك المُصنفون "فرز تانى وتالت ورابع" من لصوص ومنافقين.. يحاولون تبديل وجوههم وتغيير مبادئهم وسلخ جلودهم القديمة كالثعابين والأفاعى

السبت، ٢٩ ديسمبر ٢٠٠٧

أسمنت السبعينات


كشفت صحيفة البديل فى تغطيتها لحادث انهيار عمارة لوران بالاسكندرية والتى تحولت الى كومة من التراب فوق ساكنيها فقبضت أرواح 31 منهم حتى الان، أن العمارة واحدة قد تكون واحدة من آلاف العمارات والأبراج التى بنيت فى نهاية السبعينات فى هوجة بناء الأبراج وزمن "خلو الرجل" بأسمنت مغشوش تسرب الى الأسواق.
ولسنا هنا فى محل حساب الفاسدين الذين سمحوا بتسريب هذا الأسمنت بكميات هائلة الى الأسواق فى هذا الزمن التائه كما نحن تائهين الأن، ولا مهندسى ذاك الزمان ممن أقروا سلامة القواعد الخرسانية التى بنيت عليها تلك الأبراج والعمارات الشاهقة، لكننا وبعد ان تكررت وقائع الانهيار المفاجئ بهذا الشكل .. بدءا من عمارة هليوبوليس مررا بعمارة عباس العقاد وأخيرا عمارة لوران فإن التحذير واجب لأن فترةالسبعينات شهدت بناء معظم عمارات كورنيش الاسكندرية ومدينة نصر ومنطقة جسر السويس وبعض المدن الجديدة "القديمة"، ومناطق كثيرة فى القاهرة شهدت طفرة عمرانية فى الاعوام الثلاثة الاخيرة من حقبة السبعينات ومنها شبرا ومنطقة الهرم وفيصل، وتنتظر فقط وجود سبب لتنهار مثل عمارة عباس العقاد التى انجرت ماسورة المياة أسفلها فتحولت الى كومة تراب.
نحذر ولا نريد ان نزرع الرعب فى قلوب الناس حتى يسعى كل ساكن فى مصر الى طلب لجان لمعرفة مدى تحمل العقار الذى يسكن فيه لتصحيح أخطاء الماضى، فحياتنا هى أغلى ما نملك، وبعدها لا يوجد ما نبكى عليه.
لابد أن يتحرك السكان انفسهم سريعاً ولا ينتظرون الأحياء ولا مهندسيها وأن يسعون الى اشراك الدولة ممثلة فى وزارة التعمير فى الأزمة من خلال معاينة عماراتهم والتأكد من سلامتها، فاذا ثبت وجود خلل او خطأ ما بالعمارة فعليهم التصرف فوراً.
وقبل السكان يجب أن تمارس الدولة مسئولياتها فى حفظ أرواح الناس، فهى لديها السجلات والأوراق التى تؤرخ لكل برج من الأبراج، ولا أعرف كيف لم تقم الدولة بهذا الدور خلال السنوات الماضية، بينما يعلم الجميع أن هذا الاسمنت المغشوش شيدت به عمارات يسكنها الموت.
وحين يتم العثور على تلك العمارات المهددة بالانهيار، لا يجب التوقف والتفكير والتعاطف مع الملاك والسكان، بل ازالة المخالفات فورا، وعدم ترك الأمر فى أيدى المحليات المنقوعة فى الفساد والرشوة، وتدخل الدولة لتعويض السكان بمسكن لائق يوازى ما خسروه، حفاظا على أرواح الناس .. هذا هو دور الحكومة وهو حماية أرواح المواطنين .. و"لا الواحد فاهم غلط".

الفساد والبطالة والفقر والمرض والتزوير والقهر وانهيار الاخلاق



لعنات مصر "السبعة"


حسن الزوام

عندما تسطع شمس اليوم الأول من العام القادم 2008، يكون الرئيس مبارك قد أتم فى قيادة مصر 9582 يوما بالتمام والكمال فى طريقه لليوم رقم 10 آلاف الذى يقضيه رئيسا للبلاد، والذى يحين فى 21 فبراير 2009.. ومصر مرهقة لأى حاكم بهمومها وامراضها وآفاتها.. وفى نفس الوقت سهلة القيادة بشبعها الصبور الكتوم القادر على التحمل
ومهمة حكم مصر تكون صعبة فى حالتين.. الأولى حين يفقد المصريون صبرهم، ويقسو قلبهم، ويجهرون بآلامهم، والثانية حين يتعذر تشخيص الأمراض التى تواجهها، وتبقى الحالة الأولى على مرمى البصر لكل متابع لما يدور فى الشارع المصري مؤخرا، فالناس فقدت الأمل والصبر معا، وأصبح تنفيس غضبها فى الشارع.. أقرب لها من أى مكان أخر، حتى بات مبدأ "انتزاع الحقوق" أكثر تأثيرا من شعارات دولة القانون والمؤسسات
أما الحالة الثانية فمن الصعب حدوثها لأن أدراج المسئولين مليئة بالدراسات التى تحدد أمراض مصر.. وتجتهد فى تقديم الحلول.. ورغم ذلك قررنا فى "الميدان" أن نجتهد فى حدود ما لدينا من شواهد لرصد أهم 7 أمراض تهدد مستقبل مصر.. بعد استفحل المرض وصار غولا ينهش فى جسد الوطن.. لنحذر أولى الأمر.. ونذكر من يهمه الأمر.
الفساد
لم يعرف تاريخ مصر محطة غاب عنها الفساد، وكأنه هبط علينا مع لعنات السماء التى أصابت مصر فى عهد فرعون موسى، ليصبح الافة التى تاكل خير مصر وتنهب ثرواتها لتضعها فى أيدى الفاسدين واللصوص.
وخطورة الفساد أنه يدمر منظومة الانسياب الطبيعى للثروات فى مصر، فيزداد الأغنياء غنى، ويذهب بالفقراء الى القاع البعيد، فيصنع الفقر بوصفه الاب الشرعى لأمراض مصر.
والفساد فى مصر هو بطل الأرقام القياسية.. فهناك 11 ألف قضية ضد مسئولين بالجهاز الإدارى للدولة تتعلق باختلاس المال العام والاستيلاء عليه والرشوة والتزوير ولا تزال تلك القضايا منظورة أمام القضاء، لم يتم حسمها حتى الآن، و54 ألف مهندس بالإدارات الهندسية بالمحافظات والمدن والأحياء تمت احالتهم لتحقيقات النيابة الإدارية والعامة خلال العام الماضى، وهناك مليار جنيه يحصل عليها الفاسدون فى المحليات وحدها سنويا، لمنح من لا حق لهم ما لا يستحقون، ونزع هذا الحق ممن يستحقونه، مع العلم أن ما تم رصده من قضايا الرشوة فى المحليات لا يمثل أكثر من 5% فقط من إجمالي حالات الرشوة وأن أكثر من 95% من الحالات لا يتم ضبطها.
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أجرى استطلاع حول الفساد في مصر، أظهر أن 73% من المصريين يرون أن الفساد منتشر بصورة تثير الانتباه، وأن أعلى مظاهره هي الرشوة والإكراميات ومجاملة الأقارب والاستيلاء على المال العام (1).
وتحظى مصر بفساد فى كل القطاعات، فساد يقتل الناس تحت انقاض عمارات الموت، ولنا فى عمارة لوران بالاسكندرية خير عبرة، أو يحرقهم فى قطارات السكك الحديدية، والأخيرة كانت تدار بأكبر كم ممكن من العشوائية والفساد، الذى كان من أتفه صوره انفاق ملايين الجنيهات كحافز لقيادات شرطة النقل والمواصلات، من حساب أجور العاملين، الذين لم تكن حوافزهم تتجاوز الـ 15 جنيها شهريا، مقابل ألفى جنيه لكل قيادة منهم، فكان الفقر هو المسيطر.. والفقر أبو الاهمال.. والاهمال أوسع أسباب الموت الجماعى (2).
الفساد منتشر فى البلد فهو لم يترك أخضر ولا يابس فى مصر الا وغطاه.. حتى وصل الى البحار.. فأغرق ألف بنى ادم فى عبارة الموت، لدينا فساد يخلط بين سطة الوزير وثروته.. كما يختلط الامر بين سلطان الحكومة وجبروت الحزب الوطنى.. لتصبح مصر كلها مقرا للحزب الحاكم.
باختصار لدينا كل أنواع الفساد.. حتى أن الأمم المتحدة وضعت مصر فى مركز متقدم للدول المصابة بالفساد الإدارى بنسبة تتجاوز الـ 95% بالمائة (3)، كما احتلت مصر المركز 72 في قائمة الفساد العالمى،وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية (4).
البطالة
اذا كان الفساد هو الاب الشرعى لكافة لعنات مصر فإن البطالة هى "أم" كل الموبقات فى المجتمع، فكل شاب عاطل هو قنبلة موقوتة وطاقة مكبوتة قابلة للانفجار فى اى وقت، ونحن لدينا ما لا يقل عن 6 ملايين شاب عاطل بنسبة تقترب من الـ 10% من السكان، وهو ما يمثل خطورة كبيرة لأن الدراسات الاقتصادية تري أن الحد الآمن لنسبة البطالة في أي مجتمع لا يجب أن تتخطي حاجز الـ 4%.
وخطورة البطالة ليست فى أرقامها التى لا نعرف أيها أصدق، ولكنها تكمن فى المشكلات والجرائم التى يرتكبها العاطلون، ولوجود علاقة طردية بين زيادة معدل البطالة وبين انتشار الجريمة (5)، ولأن العاطل له احتياجات كلها لا يقدر سوى المال على تحقيقها، فاذا لم يحصل على المال بطريقة شرعية، فإن الجريمة هى السبيل أمامه، طالما أنه لا يجد عملا يحتوى طاقته، والا فإن التوجه الى أحضان اسرائيل سيكون بديلا مطروحا.. لأن البطالة تقتل الانتماء.. واذا مات الانتماء تنهار الأمم.
بسبب البطالة لن تتوقف مراكب الموت عن الخروج من مصر الى أى مكان، وستتوالى اخبار غرق المئات من شبابنا فى مياه البحر المتوسط دون توقف.
ولأن البطالة مرتبطة بتأخر سن الزواج فإن العاطلين يمثلون 78% من مرتكبى جرائم هتك العرض والاغتصاب، وبشكل عام فان 65% من إجمالي الجرائم التي تشــهدها مصر سنويا يرتكبها عاطلون، و29% من المتهمين في الجنايات من العاطلين، وكذلك 60% من المتهمين فى جرائم سرقات المساكن، و71% من سارقى السيارات، و80% من جرائم القتل التي تقع في نطاق الأسرة ترتكب بسبب وجود عاطلين بها (6).
وخطورة البطالة المصرية تحديدا أن 99% من عدد العاطلين ممن تتراوح أعمارهم بين 15، و30 عاماً أى من الشباب (7)، وأنها بطالة متعلمة من خريجي الجامعات والمؤهلات المتوسطة، وهو ما يعد على المستوى القومى إهدار استثمارات انفقت في العملية التعليمية دون أن ينتج عنها عائد، بالاضافة الى أن تزايد البطالة فى الريف، وهو ما يزيد من معدلات الهجرة إلى القاهرة والمدن الكبرى، والاخلال بالتوزيع الطبيعى للسكان هربا من جحيم البطالة.
الفقر
إنه الرباط المقدس الذى يجمع بين ما سبق وما هو آت.. بين الفساد الذى يفرق فى الحقوق.. فيصنع البطالة، كما يصنع الفقر.. فالفقر يوجد فى الأوطان التى لا تجيد العدل فى توزيع مواردها، ومن شدة الظلم فإن فقراء مصر يزيد عددهم عن 35 مليون نسمة يقل دخل الفرد فيهم عن 10 جنيه يوميا، لينفق منه على الاكل والشرب والمسكن والصحة والملبس والمواصلات والتدبير لمستقبل أفضل.
وللفقر فى مصر جرائم خاصة، رصدها أحد التقارير الحقوقية من خلال رصد وتحليل مضمون "صفحات الحوادث" بالصحف، والذى يستعرض الآثار السلبية للفقر التي تؤدى إلى ارتكاب جرائم تتسم بالوحشية هرباً من الفقر وهو الأمر الذي لا يمثل فقطتدمير للتنمية بقدر ما هو تهديد لاستقرار البشر فى مصر (8).
التقرير سجل خلال ثلاثة شهور فقط ارتكاب 197 جريمة فقر قام بها 360 شخص، منها 75 جريمة داخل نطاق الاسرة، بمعدل 1.6 جريمة يومياً، ومثلت جرام الفقر 10% تقريبا من الجرائم التى شهدتها مصر فى هذه الفترة، وكانت قيمة المال فى هذه الحوادث ما بين 5 جنيهات إلى 2000 جنيه، ووقعت نصف هذه الجرائم تقريبا فى القاهرة والجيزة، والنسبة الباقية فى محافظات مصر، وكان الفقر وراء وإنتحار 15 مواطن، 98 جريمة قتل، و43 جريمة سرقة.
ويمكن للفقر أن تصل خطورته الى أبعد مدى.. ففى سيناء يهدد الفقر أمن مصر القومى، فالبدو الذين يعيشون بين مطرقة مطارادات الأمن وسندان الفقر، يندفعون نحو الانحراف، ويعملون فى تهريب كل شئ وأى شئ.(9).
يهدد الفقر الشارع المصرى بغياب الامن.. لأنه السبب الرئيسى لـ 99% وراء 2 مليون من اطفال الشوارع المتروكين للكلاب الضالة تنهش لحمهم، او عصابات الكولة تغتصب برائتهم، أو مشارط معدومى الضمير الذين يتاجرون فى أعضائهم، كما يهدده بالانهيار الاخلاقى لوقوف المال وراء جرائم الدعارة والقوادة... فكلما زاد الفقر فى الأوطان.. أكلت نساؤها من بيع الجسد.
المرض
تحتل مصر مواقع متقدمة عالميا فى اللعنات المصابة بها.. ومنها المرض فهى من اعلى دول العالم من حيث عدد المصابين بالسرطان والالتهاب الكبدى الوبائى والفشل الكلوى وأمراض القلب والجهاز التنفسي، ولا يكاد جسد مواطن مصرى يخلو من واحد على الاقل من تلك الامراض أو يعتبر إصابته بها مصير منتظر، فمصر بها 300 ألف مريض بالسرطان على أقل تقدير، و12 مليون مريض بالكبد و4 مليون مصاب بالسكر، و5 مليون مصاب بالفشل الكلوى، والنسب مرتفعة فى عدد مصابى الدرن وأمراض العيون وامراض أخرى.
والأزمة الحقيقية فى ملف مرض المصريين هى أن الشعب المريض لا ينتج ولا يتقدم بل يتراجع باستمرار.. ويهدده مستقبل مظلم.. ما لم يتدارك القائمون على صحتنا - وقبل منهم المواطنين - الأمر، ويعالجون الخلل الذى جعل أرض مصر ملجأ للأمرض والفيروسات، ويكفى أن نتذكر أن مصر كانت من أعلى دول العالم خارج أسيا إصابة بفيروس انفلوانزا الطيور، كما عادت اليها فيروسات مثل السل والجديرى المائي والحصبة الالمانية التى أصابت 3000 طفل وفقاً لبيان صدر عن وزارة الصحة والسكان.
يجب أن نضع أيدينا على قلوبنا بعد أن أصبحت مصر واحدة من أهم ثلاث دول فى العالم فى تجارة الاعضاء البشرية نتيجة زيادة عدد مرضى الكبد والكلى بها، بل وأصبحت مقصدا لسياحة زرع الاعضاء بعد أن تحولت تجارة الكلاوى فى مصر الى بورصة تجمع بين مريض يبحث عن النجاة ووسيط يتاجر فى البشر وطبيب يحمل مشرط استثمارى، وشخص يبيع أعضاؤه تحت ضغط الفقر، فيتحول من خانة الأصحاء لينضم الى صفوف المرضى.. لدرجة ان سعر بيع الكلي انخفض فى مصر مؤخرا نتيجة الإقبال المتزايد على البيعليتراجع من 70 ألف جنيه عام 1996 الى 20 ألف جنيه عام 2007، أو مقابل عقد عمل فى دولة خليجية.
وحين يجتمع الفقر مع المرض.. تتحول حياة الناس الى أزمة عملاقة، أزمة لا تحتملمغامرات خصخصة التأمين الصحى تحت أى مسمى مسمى سواء كان انشاء شركةقابضة للرعاية الصحية أو غيره، خاصة أن أن أكثر الدول فقرا يفوق دعمها ما تقدمه الحكومة للقطاع الصحى الذي يحتاج إلى 29 مليار جنيه في حين أن ما ينفق عليه يبلغ 6.4 مليار جنيه (10).
التزوير
تعانى مصر من مرض التزوير منذ زمن، لكنه استفحل بعد الثورة لنعرف زمن استفتاءات الـ 99.9% وانتخابات تقفيل الصناديق ومنع الناخبين من الوصول الى صناديق الاقتراع ولو باطلاق الرصاص المطاطى على الناخبين او حصار اللجان بالمئات من عساكر الأمن المركزى.
وتعانى الأوطان التى تزور ارادتها من التسلط الذى يولد الفساد.. ففى النظم الديمقراطية هناك برلمان يحاسب المتجاوزين مهما كانت مناصبهم، لأن رجال البرلمان ممثلين حقيقيين للشعب الذى انتخبهم بارادته الحرة، وقادر على اسقاطهم فى أى وقت، ولكن فى مصر.. يتبع نواب التزوير من منحهم الحصانة.. والحصانة ثروة للبعض وتأشيرات وأراض ومميزات وأشياء أخرى.
وأينما وجد تزوير الارادة.. تربع المال على القمة.. وأصبح لكل شئ ثمن.. وحين يسيطر المال تنهار الأخلاق وتتداعى القوانين وتداس القيم تحت الأحذية.. فيبيع الانسان ارادته بعشرون جنيها مقابل صوته الانتخابى، ودون ان يعلم أن الدور قد يأتى عليه ليبيع كليته أو ضميره أيهما أقرب.
القهر
ما الذى يمكن تحمله .. الفقر أم القهر .. عمليا أثبتت التجارب على المصريين أنهم قادرون على تحمل الفقر والتعايش معه الى حين، ولكن لم يعد أحد يحتمل أن يتعرض للظلم مرتين.. فإن كان فرضا عليه أن يعيش فقير .. فمن الأفضل أن يكتفى بقهر واحد وهو قهر الحرمان، وليس قهر الاذلال والتعذيب.
وربما كان هذا القرار الذى اتفق عليه المصريون بشكل ضمنى هو الذى ساعد فى تفجر قضايا التعذيب التى تتكشف يوما بعد يوم فى أقسام الشرطة وسجون المحروسة، فعلى الرغم من انتهاء موجة كليبات التعذيب بانصياع الضباط لتعليمات وزارة الداخلية بمنع دخول الموبايل الى أقسام الشرطة، الا أن الناس أدركت ان لها حقوق وأن الطريق الى القضاء ليس نهايته عزرائيل.
وحين ينتهى القهر .. قهر تعامل السلطة مع الناس وكأنهم أعداء الدولة .. فإن امورا كثيرة سوف تتغير .. أولها اكتساب ثقة المواطن على الأقل حتى ينصاع للأوامر .. فزمن قيادة الشعوب بالكرباج انتهى، لأن العالم أصبح أضيق من شقق الشباب فى المدن الجديدة.
انهيار الاخلاق
تؤرخ حادثة التحرش الجنسي بالفتيات فى وسط القاهرة ليلة أول أيام عيد الاضحى قبل الماضى الى انهيار الاخلاق فى مصر.. فالشاب المصري الذى كانت ثقافته هى حماية الانثى التى هى بمثابة الاخت من اى مضايقات، تحول فى ذلك اليوم على يد عينة عشوائية اجتمعت فى مكان واحد الى كلاب تنهش دون حساب.
ولا يقف الانهيار الأخلاقي الذى نقصده فى مصر عند قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي التى تقدر بـ 20 ألف قضية سنويا (11)، ولا جريمة الاعتداء الجنسي على الأطفال التى تمثل 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل، والتى يكون مرتكبها فى 35% منها له صلة قرابةبالضحية (12).
ولكنه الانهيار الذى أشعل العنف العائلي وأيقظ شيطان عقوق الأبناء للآباء وزنا المحارم وعدم احترام العمل وسيادة مفاهيم الفهلوة والسطو على حقوق الغير.
كلها أخلاقيات لا يجب التعامل معها على انها شاذة ودخيلة على المصريين، قبل اعتبارها مردود طبيعي للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
لم يعد الكذب جريمة ولا النفاق آفة ضارة فى المجتمع ولكنه صار الطريق نحو الترقى والصعود ..وكأن ميكافيللى صاحب نظرية "الغاية تبرر الوسيلة" صار هو نبي العصر.
غاب التسامح فأصبح من الممكن وقوع ابشع الجرائم لأتفه الأسباب .. وتوسع المجتمع فى صنع الفضائح حتى باتت تجارة وثقافة .. وأصبح التربص سيد الموقف.
ساد العرى كل شئ فى حياتنا .. فانهارت النخوة .. وتكاد تتحول مصر الى قبلة للاسفاف فى زمن الغناء للحمار و"حط النقط فوق الحروف".

مصادر للمعلومات
(1) استجواب للنائب رجب هلال حميدة ومعلومات نقلها عن دراسة بحثية للباحث عبد الخالق فاروق.
(2) حيثيات الحكم الذي اصدرته محكمة جنايات الجيزة ببراءة 11 متهما من العاملين بهيئة السكك الحديدية بعد حادث حريق قطار العياط.
(3) تقرير حركة كفاية عن الفساد فى مصر
(4) دراسة صادرة عن "ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان" بعنوان " الخطر الكامن : الفساد في مصر" والتى قدرت عدد الفاسدين من كبار الموظفين بضعف عدد صغار الموظفين.
(5) دراسة أعدتها الدكتورة نادرة وهدان الخبيرة في مركز التخطيط الاجتماعي التابع لمعهد التخطيط القومى
(6) المصدر السابق
(7) بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
(8) تقرير "جرائم الفقر فى مصر" الصادر عن "ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان" عبر دراسة وتحليل مضمون الصحف.
(9) تقرير لوكالة أنباء رويترز فى اكتوبر 2004
(10) النائب الدكتور حمد السيد نقيب الاطباء فى مجلس الشعب
(11) دراسة الدكتورة فادية أبوشهبة أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
(12) دراسة للدكتورة "فاتن الطنباري" - أستاذة الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس

الثلاثاء، ١٨ ديسمبر ٢٠٠٧

مؤتمرات الأقليات .. للداخل "دُر"؟


جاء توالى الاعلان عن مؤتمرات تعالج القضايا المتعارف على وصفها بأنها تخص الأقليات فى مصر، مثل ملفى الأقباط بالأساس والقضية النوبية بدرجة أقل، لتسلط الضوء على تساؤلات مهمة حول جدوى المؤتمرات الداخلية ومدى إعتبارها عودة للداخل فى مواجهة توجهات بتدويل تلك الملفات الساخنة التى طالما أرقت السياسة الخارجية المصرية نتيجة الضغوط التى تمارس عليها، بدعوى الاضطهاد حينا أو عدم الاعتراف بحقوق أصيلة أحيانا أخرى.

واللافت للنظر أنه سواء فيما يتعلق بمؤتمر "المواطنة" الذي عقد فى القاهرة ونظمه المجلس القومي لحقوق الانسان، أو مؤتمر "الهجرة بين الحاضر والمستقبل" الذى ينظمه نادى النوبة العام بالقاهرة قد حظيا برفض داخلى لاعتبارات تتعلق بالأهداف التى ترمى اليهما، حيث واجه مؤتمر المواطنة القبطى الذى عقد بالفعل فى الأسبوع الاخير من شهر نوفمبر الماضى انتقادات قبل انعقاده تعلق بعضها بجدوى دعوة المجلس القومى لحقوق الانسان لقيادات أقباط المهجر لحضور المؤتمر طالما أن أقباط الداخل قادرين على عرض مطالبهم، فى حين ووجه مؤتمر "الهجرة بين الحاضر والمستقبل" رفض نوبى شعبى فى ظل مخاوف من أن يحاول القائمون على المؤتمر من فرض ورقة إعادة التوطين في وادي النقرة، بينما يطالب غالبية النوبيين بالعودة إلي النوبة القديمة حول ضفاف بحيرة السد العالي.

من جانبه أكد المفكر والسياسيى القبطى جمال أسعد عبج الملاك أن مشاكل الأقليات مصرية ويجب أن تظل مشاكل مصرية فى الاساس لأنها تخص مصريون، ومن الخطأ طرحها خارج مصر عبر أجندات خارجية تستغل مثل هذه الازمات - على حد تعبيره – ومن خلال أناس لا يعيشون المشاكل، الامر الذى يفرض وصاية خارجية على أمور داخلية من خلال استغلال مصريون فى الخارج.

ويضيف أنه بعد دعوة بعض أقباط المهجر لحضور مؤتمر "المواطنة" الذي عقد فى القاهرة ونظمه المجلس القومي لحقوق، اكتشف هؤلاء أن طرح هذه القضايا فى الخارج لم يمثل لهم مكسبا معينا، ولذلك وافقوا على الطرح فى الداخل ليس اقتناعا منهم بأنها مشاكل داخلية، ويجب أن تجد طريقها للحل على أرضية مصرية، ولكنهم قرروا السعى فى إختراق المجتمع المصري من خلال هذه المشاكل، وهو ما ظهر بوضوح من خلال استدراجهم لبعض الشخصيات السياسية المرموقة المرموقة تحت بند الليبرالية التى يرى عبد الملاك بأنها على تماس مع الأجندة الامريكية، وتنفيذ أجندته بالداخل دون ان يطالها أى تغيير عن لهجته التى كان يطرح بها القضايا بالخارج.

ويطالب عبد الملاك فى سبيل ابقاء القضايا الداخلية فى محليتها، بضرورة تبنى النخبة الوطنية المصرية والاحزاب والحكومة حل مشاكل الأقباط، وتنمية مجتمع وطنى على ارضية سياسية يتبنى القضايا مهما كانت حساسيتها بغرض الوصول الى حلول.

وتحفظ جمال أسعد على دعوة المجلس القومي لحقوق الإنسان لأقباط المهجر من الأساس، معتبرا ذلك نوع من الخضوع والاستسلام متساءلا هل أقباط المهجر أوصياء على أقباط مصر حتى يتم توجيه الدعوة إليهم، وهل أقباط مصر لا يستطيعون التعبير عن مشاكلهم حتى يدعو المجلس القومي لحقوق الإنسان أصحاب المصالح السياسية في الخارج والذين لا يشغلهم مصالح أقباط مصر.

من جانبه اعترض الأديب النوبى - أول من طرح القضية النوبية خارج مصر خلال المؤتمر الثانى لأقباط المهجر الذى انعقد فى واشنطن خلال شهر نوفمبر 2005 – على التعامل مع القضية النوبية بإعتبار أنه قد تم تدويلها من قبل، مشيرا الى أن حضوره لمؤتمر الأقباط والذى ناقش مشاكل الأقليات فى مصر قبل عامين تقريبا لم يلقى اهتمام دولى ولم تدول كما لم تتدخل فيها أى جهة خارجية سواء مدنية او حكومية.

وشدد أدول على أن شريحة ضئيلة فقط من الاعلام الخارجى هى التى اهتمت بكلمته التى عرضت للقضية النوبية، مرجعا ذلك الى أن القضية النوبية لا تحمل طابع الخطورة.

وشدد أدول على أنه ظل ينادى لفترة طويلة منذ السبعينات بعقد مؤتمرات داخلية لحل المشكلة النوبية التى تتلخص أهم نقاطها فى منح النوبيين اولوية العودة الى موطنهم القديم - على ضفاف بحيرة ناصر الأن – ومشكلة مساكن النغتربين، وتم عقد لقاءات شعبية عديدة فى قرى التهجير وبالقاهرة والاسكندرية، معتبرا أن المؤتمر الحقيقى الاول الذى ناقش القضية النوبية عقد فى ابريل الماضى والذى نظمه المركز المصرى لحقوق السكن تحت عنوان " النوبة بين التوطين والتطوير" بالتنسيق مع لجنتى المتابعة بالقاهرة والاسكندرية وشمل ورش عمل وتوصيات وحضره حوالى 170 نوبى.

واعترف أدول أن حضوره للمؤتمر الثانى لأقباط المهجر حرك المياه الراكدة حول القضية، لكنه رفض حضور المؤتمر القبطى التالى نزولا على اتفاق لجنة المتابعة المنبثقة عن الهيئات النوبية بالاسكندرية - وهو عضوا بها – رغم توجيه دعوة له بالحضور، بعدما رأت اللجنة أن التأثير الكبير الذى حدث نتيجة حضوره ترك نتائج ايجابية، وبناء عليه تم ترقب النتائج الاخرى لعل الحكومة تقوم بشئ ايجابى بدلا من مواصلة نقل الصوت النوبى للخارج فينظر للامر على انه تحدى للسلطة.

وأشار الأديب النوبى حجاج أدول أنه لم يسعى للمشاركة فى مؤتمر زيوريخ لنفس السبب السابق ولمنح القيادة السياسية فرصة بعد التصريحات الايجابية التى أكد فيها الرئيس محمد حسنى مبارك أن الأولوية فى توزيع الأراضى الزراعية على ضفاف بحيرة السد العالى لشباب النوبة.

وسضيف أدول أنه شارك فى فى مؤتمر النوبة بين التطوير والتوطين بكلمة حرص على تلطيفها رغم عدم تفاؤله بالتحركات الحكومية التى لم تفعل تصريحات الرئيس وتحولها الى قرار ملزم، قائلا بلهجة تأثرت باقامته السكندرية "ما حبتش نضرب كرسي فى الكلوب" مؤكدا أن الحزب الوطنى لو فعل التصريح الرئاسي وحوله الى قرار ملزم لكافة المسئولين فإن 90% من القضية النوبية تكون قد حلت ولا يتبقى سوى امور يتشارك فيها جميع المصريين حول البية الاساسي والخدمات ودور الدولة.

وحول المؤتمر النوبى الذى دعا اليه نادى النوبة العام، قال أدول أن مؤتمر "الهجرة بين الحاضر والمستقبل" يناقش القضية النوبية من زاوية الحديث عن إعادة التوطين في وادي النقرة، بينما يطالب غالبية النوبيين بالعودة إلي النوبة القديمة حول ضفاف بحيرة السد العالي.

وذكر حجاج أدول، الروائي والناشط النوبي، أن جميع الهيئات النوبية بالإسكندرية قررت تجميد الاتصالات مع النادي النوبي العام بالقاهرة، ورفضت حضور أي مؤتمر أو اجتماعات خارجة عن لجان المتابعة النوبية، وقال إن الاتجاه الأغلب لدي معظم النوبيين هو رفض حضور المؤتمر.
وكشف أدول عما وصفه بالعامل المستجد على القضية النوبية وهى اظهار بعض رجال الاعمال مطامعهم فى الاستيلاء على 200 ألف فدان حول بحيرة ناصر النوبية، معتبرا أنهم أصبحوا عاملا اضافيا يمنع عودة النوبيين الى الأرض التى يريدونها، مشيرا الى أنه حذر من ذلك قبل عام كامل دون ان يلتفت لتحذيره أحد.

ونوه أدول الى ما وصفهم بالنوبيين الذين يتحالفون مع رجال الأعمال للحرص على ابقاء النوبيين فى الارض التى هجروا اليهم فى الستينيات والتى لا تصلح للمعيشة عليها وهى وادى النقرة التى يميها الاديب النوبى "وادى جهنم"، وهؤلاء يصنعون إنشقاق ظاهرى بين النوبيين، بالرغم من تأكيده أن الاغلية الساحقة من النوبيين من الاسكندرية لأسوان وقعوا على وثيقتين تشددان على حقهم فى العودة الى الموطن النوبى.

ويخشى الاديب النوبى من أن يكون المؤتمر القادم المزمع تنظيمه فى القاهرة مجرد حصان طروادة ضد الاجماع النوبى، مشيرا الى أن الرد على هذا المتمر سيصل الى القائمين عليه فى اللقاءات الشعبية بقرى التهجير خلال عيد الأضحى.

وقال أنه لا نية لنقل الصوت النوبى للخارج، ما أن النوبيين لا يملكون القوة لعقد مؤتمر فى الخارج وسيسعون للحل الداخلى.

من جانبه أشار نبيل عبد الفتاح الخبير بمركز الاهرام الاستراتيجى ورئيس تحرير تقرير الحالة الدينيه فى مصر الى أن التوجه نحو مناقشة أى مشكلات فى الإطار الداخلى تحظى بالتأكيد على تأييد الجميع، ولكن الاهم من عقد المؤتمرات او جذب الملفات الساخنة للداخل هو جدية الحلول المطروحة والتعامل بجدية مع التوصيات.

وأضاف أن الدولة على سبيل المثال اختزلت تعاملها مع الأقباط وكافة ملفاتهم من خلال الكنيسة مما أدى الى تقوقعهم وابتعادهم عن المشاركة السياسية، فتعمقت لديهم حالة الاغتراب الداخلي، وسعيهم لنقل أزماتهم الى الخارج، وبالتالى حينما نسترد ثقتهم داخليا عبر تدابير حقيقية، فهنا يمكن الحديث عن ايجابية الحلول المحلية، شريطة تفعيل دور ودولة القانون والابتعاد عن الحلول الأمنية للمشاكل.

ونوه عبد الفتاح الى خطورة استدراج القضايا الداخلية الى الخارج وربطها بأية تصرفات للسلطة، مذكرا بمحاولة اقحام قضايا النوبيين والأقباط مع قيام الامن بتفريق اعتصام السودانيين فى ميدان مصطفى محمود بالمهندسين فى محاولة للتعميمات السهلة التى تعقد الازمات، واستغلال الجهل الخارجى بتفاصيل القضايا وأسبابها الحقيقية، وهو ما يمكن القضاء عليه بهضم مشاكلنا داخليا .. الا انه ربط بين نجاح ذلك وبين جدية الدولة فى تنفيذ التوصيات التى تصنع حلولا واقعية.

أما القضية النوبية فهى وان لم تخرج الى الاطار الدولى، فذلك يرجع على امكانية حلها عبر اجراءات تنفيذية تعيد اليهم الاولوية فى التوطين حول بحيرة ناصر، وبالتالى هى الأقرب وبقوة للبقاء داخليا، طالما حرصت الدولة على ذلك.


حسن الزوام

الخميس، ١٣ ديسمبر ٢٠٠٧

لو أنى أعرف خاتمتى .. ما كنت عبرت



نقاط النزيف الأخيرة تتساقط من عام 2007 لتعلن مرور العام الثانى فى مرحلة ما بعد العبور للمسقبل وانتخاب رئيس الدولة من بين عدة مرشحين للمرة الاولى فى تاريخ مصر.


عامين مرا واكثر منذ اعلان ادارة مصر بفكر جديد ومنطق أخر وثقافة مغايرة لتلك التى تربينا عليها، بعد أن رفع الحزب الوطنى شعاراته فى وجهنا مبشرا ايانا بالاصلاح فى كل المجالات.

والسؤال .. ماذا حصدت مصر خلال العامين الماضيين؟ وما هو مؤشر هذا الحصاد ودلالته على تحول الشعارات الى كلام فعلى، والخطط الى مردود ايجابى .. فالحكومات ما لم تسعى لتقدم حياة الشعوب .. فما هى وظيفتها اذا؟

حصدت مصر الغضب .. ولم يشهد تاريخها هذا الكم من المظاهرات والاعتصامات .. كل فئات الشعب أعلنت غضبتها .. طلاب يطاردهم الأمن حتى قاعات المحاضرات .. ومحامون يعلنون غضبهم من معاملة موظفى المحاكم .. وقضاة يتكتلون ضد تصرفات وزير العدل ..ومعلمون وأطباء يبحثون عن كادر .. وصحفيون يطاردون وعد رئاسي بالغاء الحبس فى قضايا النشر .. وعمال يضعون حياتهم فى كفة وحصولهم على حقوقهم فى كفة اخرى .. وموظفين يبيتون على الأسفلت خلف مكتب رئيس الحكومة طمعا فى مساواة مع أقرانهم فيحصصدون التجاهل تلو الاخر .. وفلاحون هجروا أراضيهم لأن الأسمدة فى يد المحتكرين وانتاجهم بلا ثمن ولأن الفلاحة لم تعد منها فائدة .. ومواطنون دفعهم العطش أو غياب الامن لقطع الطريق أملا فى شربة ماء .. وبشر يحلم بحقه فى الديمقراطية والحرية.

كل هؤلاء وغيرهم الكثير والكثير .. اعلنوا غضبهم منذ أن عرف الشارع طعم التظاهر ومواجهة عام 2005، لأن حقوقهم أهدرت، دون أى أمل فى استرجاعها .. وبات مرور اليوم دون ان تستفز الحكومة شعبها حدثا يستحق الذكر والوقوف أمامه .. فوزراء حكومتنا صاروا يتنافسون على تصدير الصدمات للشعب .. فوزير يخرج مبشرا بنهاية عصر الدعم .. ينافسه اخر معلنا نهاية زمن الطعام الرخيص .. كأن الحياة كانت ممكنة فى ظل الدعم .. او أن الجوع الذى أنشئ لمكافحته بنكا فى مصر كان مستبعدا فى أيام الطعام الرخيص.. لكن السادة الموظفون على مقاعد الوزراء يتصرفون وأنهم يحكمون شعبا يكرهوه .. شعبا يريدون الخلاص منها وحرقه بجاز، مع الحفاظ على مستثمرى المنتجعات ورجال البورصة ورموز ثورة الاتصالات و"الدوت كوم" ومحتكرى الحديد والاسمنت وملاك عبارات الموت ومستوردى الهواء معبأ فى "أزايز" وجزء من البشر لزوم خدمتهم والترفيه عنهم وتوفير قطع الغيار البشرية فى سوق تجارة الأعضاء الذى أصبحت مصر فيه من الرواد عالميا.

ننتظر 2008 عاما يافعا .. يختفى فيه الظلم والقهر والاستعباد والإفقار والتهجير والخلع من الجذور .. عاما يعبر بكل الشعب - وليس جزءا منه - الى المستقبل حقا.

وصدق الشاعر حين قال "لو أنى أعرف خاتمتى .. ما كنت عبرت"

الأربعاء، ١٢ ديسمبر ٢٠٠٧

انطلاقا من "حشر الاستجوابات" .. كل الطرق تؤدى الى جدول الاعمال




اعتبر نواب مستقلون ومعارضة ضم مجلس الشعب 20 استجوابا جديدا قاموا بتقديمهم ضد الحكومة، الى 65 استجوابا أخر سبق وقامت بأجيل نظرهم لحين تحديد موعد لها، عملية تمهد لقتل هذه الاستجوابات كما يحدث كل عام، ومنع النواب من محاسبة الحكومة على تجاوزاتها، بحكم أن الاستجوابات تمثل أهم سبل وسائل الرقابة البرلمانية وأكثرها تأثيرا اذا منحت الفرصة للمناقشة، فيما اعتبر بعضهم ان كثرة الاستجوابات تقلل من تأثيرها وقوتها التى لا تتجاوز حشد الراى العام، نتيجة قدرة حكومة الأغلبية على وأد أى استجواب بالانتقال الى جدول الاعمال فى أى وقت تريده.

ووصل عدد الاستجوابات المقدمة من نواب مجلس الشعب المستقلين والمعارضين لحكومة الدكتور احمد نظيف إلى 85 استجوابا، وذلك بعد ان جمد المجلس 65 استجوابا منذ أسبوعين ورفض الحكومة مناقشة أي استجواب منها فى الحال أو تحديد موعد قريب، باستثناء خمسة استجوابات تدور حول ارتفاع الأسعار، سيتم مناقشتهم فى جلسة واحدة عقب اجازة عيد الاضحى المبارك.

من جانبه قال مصطفى بكرى النائب المستقل بمجلس الشعب أن السياسة التى وضعتها هيئة مكتب مجلس الشعب هى مناقشة إستجواب واحد فقط شهريا، وهو ما يعنى أن عشرات الاستجوابات لن تجد مكانا لها، خاصة أن الدورة البرلمانية لا تزيد عن سبعة شهور، مر الأول منها دون مناقشة أى استجواب وبالتالى قد يناقس خمسة أو ستة استجوابات خلال الدورة الحالية على أقصى تقدير بعد ضم عدة استجوابات يرى المجلس انها تتعلق بموضوع واحد لمناقشتها فى جلسة واحدة.

وكشف بكرى ان استجواب حول غلاء الأسعار ومعه استجوابات اخرى ضمت اليه مثل الاستجواب الذى تقدم به عن اختفاء الطبقة الوسطى حدد موعدا لمناقشته بعد عيد الأضحى، بينما لم يحدد موعدا لمناقشة أية استجوابات أخرى، فى انتظار قرار هيئة المكتب.

وشدد بكرى على أن النواب طالبوا بمناقشة استجواب اسبوعيا، الا أن هيئة مكتب مجلس الشعب أصرت على موقفها بمناقشة استجواب واحد فى الشهر، ولا زالت المحاولات مستمرة، حتى يتم تفعيل الاستجوابات كافةـ مشيرا الى أن استجواباه عن الفساد فى المؤسسة الصحفية المدعم بـ 1200 مستند لم يناقش رغم تقديمه من قرابة العامين ونصف، وكان هناك اصرار على تجاهله، مشيرا الى ان هذا الاسلوب الذى يتبع مع استجوابات النواب يحول بينهم وبين مهامهم الرقابية على الحكومة، خاصة ان غالبية الاستجوابات المقدمة جادة وتناقش قضايا هامة ومصيرية للمواطن والوطن، وأغلبها تناقش قضية الفساد.

وقلل بكرى من حدة ما نشر حول استبعاد الاستجوابات التى تحتوى على قصاصات صحفية، قائلا أن الدكتور احمد فتحى سرور طلب ذلك ولكن النواب أبداو اعتراضهم على أساس ان الصحف تعد مستندات وتنشر بها تحقيقات مدعومة بالمستندات التى يعترف بها القضاء المصرى، فأبدى الدكتور سرور احترامه للصحافة واعتبارها سندا على وقائع معينة، لكنه شدد على ضرورة القصاصات ضمن مستندات أخرى رسمية كأدلة تدعم الاستجوابات المقدمة.
أما النائب رجب هلال حميدة عن حزب الغد فأكد أن ما طريقة تعامل المجلس مع الاستجوابات تشير الى تنازله عن حق أصيل واضعافه لأداة هامة فى مراقبة الحكومة وهى الاستجوابات، معتبرا أن أن انتظار البرلمان أن تحدد الحكومة المناسب لمحاكمتها أو محاكمة احد أعضائها وبالرد علي الاتهامات الواردة فى الاستجوابات أمر لا مثيل له في جميع برلمانات العالم.

وأضاف حميدة أن عمر الدورة البرلمانية لا يتجاوز 7 شهور، والمجلس يعمل 6 ايام في اسبوعين بإجمالي 12 الي 14 جلسة شهريا وهو عدد غير كافي لمناقشة الاستجوابات وطلبات الاحاطة ومن هنا يأتي القرار المعيب على حد وصفه بتاجيل الاستجوابات، وهو ما يؤدي لاضعاف المجلس وتنازل القائمين عليه عن حماية مصالح الشعب.

وأكد أن الحكومة تتبع سياسية تكديس الاستجواباتلتتهرب من الرد عليها، ودائما ما تساعد هيئة مكتب المجلس الحكومة فى الخروج من مواجهة النواب بطرق شرعية دستورية وسياسية، خاصة في الاستجوابات التي تحرجها.

ويرى حميدة ان تأجيل نظر الاستجوابات وعدم تحديد موعد لمناقشتها يعد دليل قاطع علي قوة هذه الاستجوابات، وقدرتها على احراج الحكومة.

وأشار نائب حزب الغد الي ان المجلس يختار الاستجوابات التي تستطيع الحكومة تقديم مبررات لها وهي عادة متعلقة بالجوانب الخدمية كالتعليم والصحة والتموين والاسعار وهي قضايا فضفاضة تجد الحكومة مخرج من مواجهتها، أما القضايا المتعلقة بأمن الوطن فيتم تاجيلها لانها تفضح النظام.. فمثلا حينما أتقدم – والكلام على لسان حميدة - باستجواب مصور عن تهريب الاثار ويتم تأجيله فان هذا امر غريب، وحينما أتقدم باستجواب عن اهدار مليار جنيه في قطاع الاعلام ويتم تاجيله فهو امر غاية في الخطورة، مشيرا الى أن الحل يكمن في تطبيق ديمقراطية حقيقية وبرلمان حقيقي منتخب يحترم حقوقه الدستورية وحقوق المواطنين ويراعي مصالح البلاد اكثر من مصالح الحكومة.

وأرجع النائب المستقل كمال أحمد تأخر المجلس فى حسم عملية تحديد مواعيد مناقشة الاستجوابات الي كثرة الاستجوابات المقدمة من النواب، فتقرر المجلس تأجيلها الى موعد لاحق بعد العيد الأضحى لحين فرزها الى مجموعات وفقا لسياسة الفرز الحالية التى تقوم على تجميع الاستجوابات المتشابهة من حيث الموضوع لمناقشتها فى يوم واحد.

وأشار الى أنه يتم مناقشة كل مجموعة علي حدة حسب نوعية الاستجواب، فتناقش الاستجوابات التى تدور حول الأسعار والغلاء والخلل الطبقى في جلسة واحدة، واستجوابات الخصخصة ومشاكل العمالة في جلسة اخرى، وهكذا.

وأضاف أنه على الرقم من ان المدة لا تكون كافية لمناقشة الاستجوابات، فانه يجوز للمجلس ببعض الاحيان تمديد وقته للسماح بمناقشة هذه الاستجوابات وان قلل من امكانية حدوث ذلك.

وقال كمال أحمد ان الحكومة لا تحتاج الى التدبير والتخطيط لحشر الاستجوابات فى فترة ضيقة، لأنها تملك الاغلبية القادرة فى النهاية مهما وصل المستجوب الى ذروة التعاطف من النواب جميعا على انهاء المناقشة والانتقال الى جدول الاعمال، من خلال مجموعة العشرين المجهولين الذين يقدمون دائما الاقتراح بالانتقال الى جدول الاعمال وكأن شيئا لم يكن، وأحيانا بدلا من توجيه اللوم للمسئول المستجوب، يتحول الاستجواب الى مناسبة لذكر انجازاته العبقرية والتصفيق له وتوجيه الشكر اليه فى النهاية.

ورجح كمال أحمد أن تكون بعض الاستجوابات مؤجلة بسبب نظرها امام القضاء، خشية خلق جو عام يضغط على سير العدالة ويؤدى الى الخروج بأحكام مسبقة.

وأرجع النائب المستقل كثرة الاستجوابات المقدمة ضد الحكومة والتى وصلت الى 85 استجوابا الى كثرة أخطاء الاجهزة التنفيذية، معتبرا أن هذا الكم من الاستجوابات يضغط علي وقت المجلس المطلوب منه القيام بدوره التشريعى الى جانب مراقبة الحكومة، وأن كثرة الاستجوابات تقلل من قوتها ومن مناقشتها بموضوعية.

وأضاف أنه قديما كان الاستجواب يناقش في يوم كامل مستوفيا عناصره وأدلته والمستندات المؤيدة، بينما الان لا يتجاوز وقت عرض النائب لايتجوابه أكثر من 20 دقيقة، ليفقد قوته وتأثيره حتى على الرأى العام ويصبح مثل "خيال المآته" على حد تعبيره، مطالبا بتفاعل أوسع من الحكومة مع النواب.



7 طرق لهروب الحكومة من الاستجواب


ويقول الدكتور عمرو هاشم ربيع الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية صاحب الورقة البحثية التى تحمل عنوان " قيود ومعوقات الرقابة البرلمانية" أن لائحة مجلس الشعب تمنح الاستجواب الأسبقية على سائر المواد المدرجة بجدول الأعمال بعد طلبات الإحاطة والأسئلة، أن الحكومة تتدخل عادة بدعم من أغلبية الحزب الوطني بالمجلس في تحديد موعد مناقشة الاستجوابات الموجه إليها، حيث تنص اللائحة الداخلية للمجلس على تحديد موعد مناقشة الاستجواب عند إدراجه لهذا الغرض "بعد سماع أقوال الحكومة"، وعلى الرغم من أن المجلس هو الذي يقرر موعد المناقشة، إلا أن الحكومة هي التي تقوم عادة من واقع الممارسة بتحديد الموعد، ولا يملك المجلس عملياً إلا الموافقة عليه في معظم الأحيان.

ويضيف ربيع أن هناك سبع حالات معروفة تمارس فيها الحكومة والأغلبية ضغوطها في وأد الاستجوابات، الاولى هى تحديد توقيتات يكون المجلس فيها غير منعقد، من خلال تحديد مواعيد وهمية، يكون دورة المجلس المحدد لها نحو 7 أشهر قد انفضت، كأن يتخذ المجلس والحكومة قراراً بمناقشة استجواب ما في شهر يوليو، رغم إدراك أن المجلس سينفض قبل حلول هذا الشهر أو مطلعه.

الحالة الثانية هى تحديد توقيتات مفاجئة أو فورية للمناقشة بذات الجلسة التى قدم فيها لإرباك المستجوب، وسبق للحكومة الموافقة في دورات برلمانية على المناقشة الفورية لاستجوابات حول سياسة الإعلام الحكومي إزاء المعارضة، والمخالفات في عقود بناء القصر العيني، وإساءة وزير الداخلية لسلطاته في العمل بقانون الطوارئ، وفشل إستراتيجية الأمن الغذائي، وعجز الحكومة عن حل مشكلة الإسكان، والاستجوابات الثلاثة الأخيرة طرحت الحكومة مناقشتها فوراً بعد علمها بانسحاب المعارضة - التي قدمتها- من قاعة المجلس احتجاجاً على مد العمل بقانون الطوارئ فى احد المرات.

أما الحالة الثالثة لقتل الاستجوابات عدم مناقشة الحكومة للاستجوابات رغم حلول وقت المناقشة فهى تخلى الحكومة في بعض الأحيان عن مواعيد مناقشة الاستجوابات التي سبق أن شاركت بفاعلية في تحديد موعدها، سواء بتأجيل المناقشة، أو بعدم المناقشة حتى فض الدورة البرلمانية، وفى الحالة الرابعة تضع الحكومة بدعم الأغلبية توقيتات غير محددة بدقة للمناقشة، الأمر الذي يؤدي في أحيان كثيرة إلى تجاوز المناقشة لتلك الأوقات، أو عدم المناقشة على وجه الإطلاق، مثل تحديد الحكومة وموافقة المجلس على موعد مناقشة الاستجوابات منسوباً إلى شهر ما، أو في جزء محدد منه دون تحديد يوم بعينه، او تحديد الحكومة وموافقة المجلس على موعد مناقشة الاستجوابات، عقب مناقشة بيان الحكومة وتقرير لجنة الرد عليه، بعد مناقشة الاستجواب الذي قدمه العضو...فلان الفلانى، الذي سمته لم تحدد له الحكومة أصلا موعدا للمناقشة.

ويضيف ربيع فى الحالات الأخرى قد تتنصل الحكومة من مناقشة الاستجوابات من خلال الإيعاز لأغلبيتها داخل المجلس، لتقديم طلبات رقابة تتضمن أسئلة وطلبات إحاطة في قضية قام أحد الأعضاء بتقديم استجواب بشأنها، لكنه لم يأت موعده في الإدراج على جدول الأعمال لتحديد موعد المناقشة، ثم يتم إحالة تلك الطلبات إلى أحد اللجان لإعداد تقرير حولها يعرض على المجلس، مما يقتل الاستجواب المستهدف لأن الائحة المجلس تنص على عدم جواز إدراج الاستجوابات المرتبطة بموضوعات محالة إلى لجان المجلس، بينما يعد وضع قيود على زمن مناقشة الاستجوابات من اهم طرق قتلها، من خلال تحديد وقت محدد بالدقيقة، لا يتجاوزه مقدم الاستجواب، ويصل احيانا الى 5 دقائق أو 10 دقائق، وأحيانا لا يتبقى وقت للمستجوب من خلال إغراق جلسة الاستجواب بالعديد من الأسئلة وطلبات الإحاطة المتفق عليها، حتى يتقاسم مقدمي تلك الطلبات الوقت مع المستجوب أو المستجوبين في حالة وجود أكثر من استجواب، وتبريد الجلسة، وحدث ذلك فى مناقشة استجوابان حول الموارد المائية فى مارس 2005 مع 37 طلب إحاطة و5 أسئلة مقدم غالبيتها العظمى من حزب الأغلبية.

الحالة السابعة والاخيرة هى طريقة انهاء الاستجواب من خلال اقتراح بالانتقال إلى جدول الأعمال وهو الاقتراح الذى ينال الأولوية على أية اقتراحات مقدمة، فإذا لم توجد اقتراحات بشأن الاستجواب، أعلن انتهاء المناقشة والانتقال إلى جدول الأعمال، بمعنى أن شيئا كأن لم يكن، وعلى هذا الأساس انتهت عشرات الاستجوابات التى تعالج قضايا تهم قطاعات عريضة من المواطنين فى ظل الوضع الراهن إلى لاشىء، بالانتقال إلى جدول الأعمال، وتوجيه الشكر إلى الوزير (المعنى بالاستجواب) على الجهود التى يبذلها.



حسن الزوام

الخميس، ٦ ديسمبر ٢٠٠٧

عودة عصور الحطب


"الحكومة تفكر" .. اذا علينا جميعا أن نضع ايدينا على قلوبنا، فهى ان فكرت .. دبرت، وان دبرت .. دمرت .. وقل على دنيا المواطن المصري البسيط السلام ومليون سلام على طول السلام.

والحكومة تفكر هذ الايام فى الغاء الدعم العينى واستبداله بالدعم النقدى.. (بمعنى انها لن تدعم الدقيق المستخدم فى رغيف الخبز) لكنها بدلا من ذلك ستعطيك ايها المواطن الـ"كام قرش صاغ" الذى تدعم به الرغيف الواحد، لتشترى أنت الرغيف من الفرن بربع جنيه أو حسب سعر السوق و"زى ما يطلع" بدلا من الشلن اليتيم الذى تدفعه الان، ولن تدعم دولتنا المصونة الكهرباء ولكنها وفقا لمستوى استهلاكك ستعطيك الفرق بين السعر القديم وسعر الكهرباء "زى ما يتكلف"، وهكذا ستبيع لك أنبوبة الغاز بسعرها قبل الدعم ويقدر بأكثر من 25 جنيه، وستعطيك الفارق "كاش مونى" وانت براحتك تشترى "غاز" .. تشترى "جاز" ولا حتى تستخدم "الحطب" فى الطبيخ وعمل الشاى السادة) انت حر.

ويذكرنى الحديث عن صرف الدعم العينى بدلا من الدعم النقدى، بصرف المعاش المبكر للعمال الذين صرفتهم الدولة من مصانعها التى خصخصت، فنصف هؤلاء العاملين الذين "قفشوا" مبلغ المعاش المبكر على الأقل إما تزوجوا من أخرى تعيد لهم شباب لن يعود، أو صرفوا القرشين على جواز البنات والصبيان وبعضهم لم يصدق وهو المغلوب على امره أن فى يده "كام ألف جنيه" فذهب الى أقرب "خمارة" لينسى أيام الضنك، وخرج من الخمارة على "الكباريه" ومن الكباريه على الشارع، لا شغلة ولا مشغلة ولا فلوس ولا مستقبل ولا مشروع يلم عرق جبينه الذى لم يعد له مكان يتساقط فيه.

لذلك أدعو الدولة وحكومتها وسلطانها بأن يرفقوا بالمصريين ويتعاملوا معهم "بشويش" لأننا شعب مش حمل "اقتصاد السوق" و"أسعار السوق" وغدا حينما يصبح سندويتش الفول بـ 3 جنيه وطبق الكشري بـ 10 جنيه، لن يفهم المواطن أن تعليمات صندوق النقد الدولى واقتصاد العولمة هو الذى فعل فيه ما فعل، ولن يفهم أن فشل الدولة فى توزيع الدعم العينى بعدالة، هو الذى دفعها الى "تكبير دماغها" ورفع سياسة "شيل ده عن ده .. يرتاح ده من ده".

ولا اعرف كيف ستتعامل الدولة مع البنزين والسولار المدعوم .. وكم سترتفع "بنديرة" التاكسي و"أجرة" الميكروباص، وعلى اى أساس ستوزع الدعم .. هل طبقا لمستوى الفقر .. أم منح الدعم لمن يقدر ولمن لا يقدر على أساس أن الكل سيدفع الثمن، ولا أفهم كيف وهى الحكومة العاجزة عن السيطرة على الاسعار لأنها بلا آلية لضبط السوق – أى سوق – ستواجه قفزات الاسعار المتوقعة والتى تهدد بعواقب وخيمة.

كل ما أحلم به أن يفكر سادتنا فى القرار من منطلق أنها حكومة الشعب وانها تحبه وتخاف على مصلحة كل فئاته، وليست الحكومة التى تكره شعبها وتتجاوز عن طحن الملايين منه تحت خط الفقر ولا تتوانى عن إعادة عصور "الحطب" الى القرن الواحد والعشرين.
 
خد عندك © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates